129

وإذا ثبت أن الخبر بشارة للمؤمنين دون الكافرين بطل تأويلكم قلنا البشارة في هذا الخبر نخص المؤمنين على الحقيقة لأن الخبر بزوال اليسير من الأذى لمن نعيمه خالص صاف يعد بشارة ومثل ذلك لا يعد بشارة فيمن هو في غاية المكروه ونهاية الألم والعذاب وأيضا فإن علم أهل الجنة بالله ضرورة يزيد في نعيمهم وسرورهم لأنهم يعلمون بذلك أنه تعالى يقصد بما يفعله لهم من النعيم التعظيم والتبجيل وأنه يديم ذلك ولا يقطعه وأهل النار إذا علموه تعالى ضرورة علموا قصده إلى إهانتهم والاستخفاف بهم وإدامة مكروههم وعذابهم فاختلف العلمان في باب البشارة وإن اتفقا في أنهما ضروريان مسألة فإن قيل فما معنى

الخبر الذي رواه أبو هريرة عن النبي (ص) أنه قال : إن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل فعليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا

الجواب قلنا في تأويل هذا الخبر وجوه كل واحد منها يخرج كلامه (ص) من حيز الشبهة أولها أنه أراد نفي الملل عنه وأنه لا يمل أبدا فعلقه بما لا يقع على سبيل التبعيد كما قال جل وعز ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط @QUR@

فإنك سوف تحكم أو تباهي

إذا ما شبت أو شاب الغراب

أراد أنك لا تحكم أبدا فإن قيل ومن أين لكم أن الذي علقه به لا يقع حتى حكمتم بأنه أراد نفي الملل على سبيل التأبيد قلنا معلوم أن الملل لا يشمل البشر في جميع أمورهم وأوطارهم وأنهم لا يعرون من حرص ورغبة وأمل وطمع فلهذا جاز أن يعلق ما علم الله تعالى أنه لا يكون بمللهم والوجه الثاني أن يكون المعنى أنه تعالى لا يغضب عليكم فيطرحكم ويخليكم من فضله وإحسانه حتى تتركوا العمل له وتعرضوا عن سؤاله والرغبة في حاجاتكم إلى جوده فسمى الفعلين مللا وإن لم يكونا على الحقيقة كذلك على مذهب العرب في تسميتها الشيء باسم غيره إذا وافق معناه من بعض الوجوه قال عدي

صفحة ١٣٠