تنبيه الحائر على عدم جواز المسح على الجورب المعاصر
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤٣ هـ - ٢٠٢٢ م
تصانيف
مقدمة العَلَّامَة المحقق المربي الشيخ عبد الهادي محمد الخرسة
بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله ربِّ العالَمين، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ النبيّ الأميّ الذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. [التَّوْبة: ١٢٨]. وعلى آله وأصحابه وعلينا معهم آمين.
أمَّا بعدُ: ففي الحديث عن رسول الله ﷺ: ﴿مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيرًا يُفَقِّهه في الدِّين﴾ [متفق عليه]. فلا أحدَ يعلم أنَّ الله أرادَ به خيرًا، وأنَّ عاقبتَه إلى خير إلا مَنْ فَقَّهَهُم اللهُ تعالى في الدِّين، وجاء في حديثٍ عنه ﷺ: ﴿يَحْمِلُ هذَا العِلمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنهُ تَحرِيفَ الغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ
الْجَاهِلِينَ (^١).
_________
(^١) أخرجه ابنُ عَدِي في الكامل ١/ ١١٨، وابن حِبَّان في الثقات ٤/ ١٠ (١٦٠٧)، والآجِريُّ في الشريعة ١/ ٢٦٩، وأبو نعيم في معرفة الصحابة ١/ ٢١١ (٧٣٢)، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٢٠٩ (٢١٤٣٩)، وفي دلائل النبوة ١/ ٤٣ - ٤٤، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص ٢٩.
1 / 5
هذا وقد أطلعني الأستاذُ الفَقيهُ المُحقِّقُ الشيخ: (محمد مهدي نذير قشلان) -حفظه الله تعالى وزاده توفيقًا وتأييدًا ونفع به المسلمين-على رسالة فِقهيَّةٍ سمَّاها: "تنبيهُ الحائر على عدم جواز المسح على الجورب المعاصر" جمَعَ فيها أقوال أئمَّةِ الفقه في المذاهب الأربعة، وبَيَّنَ فيها الّراجح الصَّحيحَ الذي يُعمل به، والضعيفَ المرجوحَ الذي يُتركُ العمل به، وهذا العمل المبارك إن دلَّ على شيء فإنَّهُ يدلُّ على غَيرَةِ الشَّيخ على الفقه وأحكامه وما يتعرض له على أيدي الجاهلين والعابثينَ في دِينِ الله تعالى بأهوائهم، ويدلُّ على حرصه على المؤمنين بأن تكون عبادتُهم مستوفيةً الأقوالَ الصَّحِيحةَ المعتمدة في علم الفقه؛ لتكون مقبولة عند الله ﷾، وحِرصُ الفقيه والعالم على الأُمَّةِ وِراثةٌ لرسول الله ﷺ في وصف الله تعالى له: ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ [التَّوْبِة: ١٢٨]، فأُهنِّئُهُ على ما آتاه الله تعالى من
1 / 6
غَيْرةٍ على دِينهِ ومن حِرصٍ على المؤمنين، وأدعو اللهَ تعالى له بمزيدِ التوفيقِ والتأييد وأن ينفع الله به أُمَّةَ الإسلام آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلينا معهم. آمين.
تحريرًا في يوم الجمعة:
١٧/ رجب/ ١٤٤٣ هـ، الموافق لـ: ١٨/ شباط/ ٢٠٢٢ م
خادِمُ العِلْم وأهله
عبد الهادي محمد الخرسة الدمشقي الأزهري
1 / 7
صورة عن المقدمة والتقريظ بخط العَلَّامَة المحقق المربي الشيخ: عبد الهادي محمد الخرسة
1 / 8
مقدمة الدكتور الشيخ المُسند توفيق إبراهيم ضَمْرَة
بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله ربِّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام على سيَّد المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ: فإنَّ العلماءَ هُمْ ورَثَةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دِرهمًا ولا دينارًا، وإنَّما ورَّثوا العِلمَ النَّافعَ، فمَن طَلبَ العِلْمَ فقد أخذَ بالحظِّ الوافِرِ، ولا شَكَّ أنَّ من أشرف العلوم التَّفقُّهُ في الدِّين، فهو من أعظمِ المِنن، وأجلِّ المِنَح، وأعلى الفضائل، وأسمى المنازل، وهو المفتاح الدقيق المُوصِلُ لفهم سُنَّة الحبيب ﷺ؛ ذلك أن الفقهَ في الدِّين يُرشدُنا إلى معاني التنزيل ودفائنِه، ونُكَتِه ولطائفِه، ويُرشدُنا إلى عمل الطاعة وتجنُّب المعصية، ويتحصَّل منه الفضلُ العظيم في الكتاب، والثوابُ الكبير يوم الحساب.
1 / 9
قال أبو هريرة ﵁: "لَأنْ أتفقَّه ساعةً، أحبُّ إليَّ من أن أُحْيِيَ ليلةً أصلِّيها حتى أصبح، ولَفقيهٌ واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ، ولكل شيء دِعامة، ودِعامة الدِّين الفقهُ". [حلية الأولياء ٢/ ١٩٢].
وكان عبدُ الله بن مسعود ﵁ يقول: "لَأنْ أجلسَ في مجلسِ فقهٍ ساعةً، أحبُّ إليَّ من صيام يوم وقيام ليلة". [البيهقي في المدخل إلى علم السنن ٢/ ٧٢٢].
وقال أبو الدرداء ﵁: "لَأنْ أَذكُرَ الفقهَ ساعةً، أحبُّ إليَّ من قيام ليلة". [الفقيه والمتفقه ١/ ١٠٢]
ومما اشتهر قول محمد بن شهاب الزُّهريِّ ﵀: "ما عُبِدَ اللهُ بمثلِ الفقه". [جامع بيان العلم وفضله ١/ ١١٩]
وقد حصل بالتتبع والاستقراء اتِّفاقُ كلمة العلماء على أنَّ مِنْ أشرفِ العلوم جمعًا، وأعظمِها خيرًا ونَفعًا عِلْمَ أحكامِ أفعالِ العباد، المشتهر بعدُ باسم "الفقه الإسلامي"، المشمول في عموم قول النَّبِيُّ ﵌: ﴿مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خيرًا يُفَقِّهه في الدِّين﴾. [متفق عليه].
1 / 10
وهذا العلم يختص الله به من يشاء من عباده، وهو يحتاج إلى فطنة، وطول صحبة، ودأبٍ على القراءة والمطالعة، من غير كللٍ ولا مَلَل.
وللهِ دَرُّ الشَّافعيِّ ﵀ حَيثُ قال:
أَخِي لَنْ تَنالَ العِلْمَ إِلَّا بِسِتَّةٍ … سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفصِيلِهَا بِبَيَانِ
ذَكَاءٌ وَحِرْصٌ وَاجْتِهَادٌ وَبُلْغَةٌ … وَصُحْبَةُ أُسْتَاذٍ وَطُولُ زَمَانِ
هذا وقد قرَأْتُ رسالة الشيخ الأستاذ محمد مهدي نذير قشلان: "تنبيه الحائر على عدم جواز المسح على الجورب المعاصر" فأَلفَيتُها رِسالةً جامعةً مانعةً في بابِها، حَيثُ جَمعَ أقوالَ العلماء من المذاهب الأربعة حول المسح على الجوربين، وحرص كل الحرص على ضبط الأقوال، وإسنادها إلى قائليها، وإرجاعها إلى مصادرها، وكان مُوفَّقًا في تحرير موضع النِّزاعِ في هذه المسألة التي كثر فيها الخائضون بغيرِ عِلْمٍ ولا تحرٍّ، وخَلُص إلى أنَّ جُلَّ الجوارب اليوم غير صالحة للمسح عليها بعدَ استقراءٍ طويلٍ لأقوال العلماء والفقهاء
1 / 11
والمحققين.
أسألُ اللهَ تعالى أنْ يُجْزِلَ الثوابَ للمؤلِّفِ، وأنْ يجعلَ هذا العملَ المميَّزَ في صَحَائفِ أعمالِه ووالِدَيه، وأنْ يَنفعَ بهِ طلبةَ العلمِ، وأنْ يَكتُبَ اللهُ تعالى لهُم أجرَ الصدقةِ الجاريةِ، والعلمَ النافعَ الذي يَنفعُ النَّاس، إنهُ تعالى لا يُضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملًا.
تحريرًا في يوم الخميس: ٧/ شعبان/ ١٤٤٣ هـ، الموافق لـ: ١٠/ آذار/ ٢٠٢٢ م
كتبه
توفيق إبراهيم ضَمْرَة
مدرس القرآن الكريم في المسجد
الحسيني الكبير والمجاز بإقراء العشر الصغرى والكبرى
1 / 12
بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
بين يدي الرسالة:
عالجَتْ هذه الرّسالة مسألةً فقهية تتناولها الألسِنةُ والأقلامُ كُلَّ عام، خاصة في فصل الشتاء، حيث يحتدم النقاش فيها على صفحات التواصل الاجتماعي، وداخل دوائر نقاشية علمية وغير علمية، وكثيرًا ما تُوجَّهُ البوصلة إلى غير ما ينبغي أن تُوجَّه إليه، وغالبًا لا يُناقش موضِعُ النِّزاعِ في مسألة "المسح على الجوربين"، إذ إنَّ موضع النِّزاعِ ليس في ثبوت مسحِ الجوربين عن النبي ﷺ وعن السلف الصَّالِح، إنما موضعُ النِّزاعِ: هل هذه الجوارب التي نَلبَسُها ينطبق عليها وصف الجوربين اللَّذينِ كانا يُمسح عليهما في عهد النبوَّةِ؟.
لذلك وضع الفقهاء شروطًا لجواز المسح على الجوربين سواء كانا من قماش أو جِلْدٍ، مُنَعَّلَينِ أو غيرَ مُنعَّلَينِ، وهذه الشروط أو بعضها لا ينطبق على الجورب الذي نَلبَسُهُ
1 / 13
اليوم؛ لكونه فَقَدَ شرطًا اتفق عليه الأئمة الأربعة وغيرهم؛ وهو "أن يكون سميكًا يمكن متابعة المشي فيه، كما يسير الإنسان بحذائه أو نعله".
وإليكم المسألة ورأي الأئمة الأربعة بذلك، مع عزو الكلام إلى مصدره، وقد اقتصرت على ذكر هذا الشرط دون غيره؛ لأنه موضع الاتفاق، بخلاف غيره من الشروط عند المذاهب الأربعة المشهورة.
وقد نَشَرتُ هذه المسألة في عام ١٤٣٧ هـ ٢٠١٦ م على وسائل التواصل الاجتماعي، فلاقت قَبولًا واستحسانًا من أهل العلم-بفضل الله وتوفيقه-، ثم إني نشطت بحمد الله لجمع هذه المسألة في رسالة صغيرة استجابةً لطلب غير واحد منهم تثبيت المسألة في رسالة صغيرة يسهل تداولها، وأسأل الله أن أكون قد وفِّقتُ فيما كتبت، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.
1 / 14
شرطُ أن يكون الجورب سميكًا يمكن متابعة المشي فيه
هذا الشرط اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على شرط توفره في الجوربين لجواز المسح عليهما، ونصوصهم تدل على أنَّ الجوارب المعروفة اليوم لا تنطبق عليها صفات الجوارب التي يَصحُّ المسح عليها، ولذا: لا دليل، ولا حجة، ولا معتمد، لمن يجيز المسح عليها إلا التَّمسك بالاسم، وهذا ليس بمستندٍ لحكم شرعي.
فإليك أيها القارئ النَّبيه نصوص الفقهاء من مصادرهم مرتبة حسب التاريخ الزمني للمذاهب الأربعة:
أولًا: مذهب الحنفية:
ذكر الإمام ابن عابدين في حاشيته على الحصكفي-رحمهما الله-: "ويُشْرَطُ لجواز المسحِ ثلاثةَ أُمور: منها: كونُهُ مِمَّا يُمكنُ مُتابعةُ المشيِ المُعتادِ فِيه فَرْسخًا فأكثر" (^١).
_________
(^١) ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة ﵀ -إلا أن يكونا مجلدين أو منعلين. وقال الصاحبان: يجوز إذا كانا ثخينين، ويمكن متابعة المشي عليها، وإلى قولهما رجع الإمام أبو حنيفة وعليه الفتوى، قال الزيلعي: "ويروى رجوع أبي حنيفة إلى قولهما قبل موته، وعليه الفتوى" اهـ فإن كانا رقيقين يشفان الماء فلا يجوز المسح عليهما بالاتفاق، وإذا لم يكونا ثخينين ولا منعلين كذلك لا يجوز بالاتفاق بينهم.
(البناية شرح الهداية للإمام العيني ١/ ٦٠٧ وما بعدها بتصرف) (تبيين الحقائق ١/ ٥٢)
1 / 15
والفرسخ: ثلاثة أميال، اثنا عشر ألف خطوة،
والميل: ١٨٤٨ م، فيكون الفرسخ مساويًا: (٥٥٤٤) م.
(رد المحتار على الدر المختار في شرح تنوير الأبصار المعروف بـ (حاشية ابن عابدين ١/ ٢٦١ - ٢٦٣)
* وجاء في البحر الرائق شرح كنز الدقائق للفقيه الأصولي زين الدين الشهير بابن نجيم ٩٧٠ هـ-﵀:
"أنَّ ما كانَ رَقِيقًا مِنها لا يجوز المسح عليهِ اتِفاقًا؛ إلا أن يكونَ مجلدًا أو مُنعَّلًا أو مُبطنًا، وما كان ثَخِينًا مِنها: فإنْ لم يكن مُجلَّدًا أو مُنعَّلًا أو مُبَطَّنًا فمختَلفٌ فِيهِ، وما كان فلا خِلافَ فِيهِ". اهـ.
(البحر الرائق - ابن نجيم ١/ ١٩٢)
1 / 16
ثانيًا: مذهب المالكية
قال الحافظ ابن عَبْد البَر ٤٦٣ هـ-﵀: "فإن كان الجوربان مُجلَّدَين كالخُفَّين مسح عليهما، وقد روي عن مالك: منع المسح على الجوربين وإن كانا مجلدين، والأول أصح".
(الكافي في فقه أهل المدينة ١/ ١٧٨).
* وقال القاضي عبد الوهَّاب المالكي أحد أعلام المذهب المالكي ٤٢٢ هـ-﵀:
"ولا يجوز المسح على الجوربين غير المجلدين، خِلافًا لِمَنْ أجازه …؛ ولأنه لا يمكن متابعة المشي فيهما كما لو لفَّ على رِجلَيهِ خرقةً ".
(المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عبد الوهاب ١/ ١٣٨)
1 / 17
ثالثًا: مذهب الشافعية: قال الإمام النَّوَوِي ٦٧٦ هـ ﵀:
"أنْ يكون -أي الخُفُّ-قويًَّا، بحيث يمكن متابعة المشي عليه بقدْرِ ما يحتاج إليه المسافر في حوائجه عند الحطِّ والتِّرحال، فلا يجوز المسح على اللَّفائف والجوارب المُتَّخذةِ مِنْ صوفٍ ولِبد .. (^١) " (روضة الطالبين ١/ ١٢٦)
* وقال أيضًا:
(وإنْ لَبِسِ خُفًّا لا يُمكن متابعة المشي عليه لرقَّتِه أو لِثقلِهِ لمْ يَجز المسحُ عليه؛ لأنَّ الذي تدعو الحاجة إليه ما
_________
(^١) قال النووي: هذه المسألة مشهورة، وفيها كلام مضطرب للأصحاب، ونص الشافعي ﵁-عليها في الأم كما قاله المصنف -أي أبو إسحاق الشيرازي-، وهو أنه يجوز المسح على الجورب بشرط أن يكون صفيقًا منعلًا، وهكذا قطع به جماعة … ا. هـ. فصريح قول الإمام أن الجورب إذا لم يكن منعلًا لم يُمسح عليه.
ثم قال النَّووي ﵀: "والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه: إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان، وإلا فلا، وهكذا نقله الفوراني في الإبانة عن الأصحاب أجمعين فقال: قال أصحابنا: إن أمكن متابعة المشي على الجوربين جاز المسح عليهما، وإلا فلا ".
(المجموع شرح المهذب ١/ ٤٩٩)
1 / 18
يُمكن متابعة المشي عليه، وما سواه لا تدعو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة).
(المجموع شرح المهذب ١/ ٥٠٠)
* وقال أيضًا: "أمَّا ما لا يُمكن متابعة المشي عليه لِرقَّتِه فلا يجوز المسح عليه بلا خلاف .. (^١) ".
(المجموع شرح المهذب ١/ ٥٠١)
* وقال أيضًا: "قد ذكرنا أنَّ الصحيحَ من مذهبنا أن الجوربَ إن كان صفيقًا يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه وإلا فلا". (المجموع شرح المهذب ١/ ٤٩٩)
_________
(^١) أما ما ورد في المذهب من أنه يجوز المسح على الجورب الرقيق، فقد قال عنه الإمام النووي بأنه وجه غريب ضعيف. (المجموع ١/ ٥٠٠)
1 / 19
رابعًا: مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة ٦٢٠ هـ ﵀-في المغني: "إنَّما يجوز المسح على الجورب بالشَّرطَينِ اللَّذَين ذُكرا في الخُفِّ،
أحَدُهُمَا: أنْ يكون صَفيقًا، لا يَبدو منه شيءٌ مِنَ القَدَم.
الثّاني: أنْ يُمكن متابعة المشي فيه ..، وعَلَّلَ الإمامُ أحمد بقوله: إنّما مسح القوم على الجوربين لأنَّه كان عندهم بمنزلة الخفِّ، يقوم مقام الخُفِّ في رِجْل الرَّجُلِ، يَذهبُ فيه الرَّجُل ويَجيء".
ا. هـ (المغني لابن قدامة ١/ ٢١٥ - ٢١٦).
* ويُلاحَظُ في كلام الإمام أحمد أنَّ شرط المسح على الجوربين أن يذهب فيه الرجل ويجيء كالخُفِّ إن أراد ذلك.
والواضح أن الذهاب والمجيء بالجوربين ليس في البيت على السُّجاد أو الرخام، وإنما خارج المنزل في طريقه إلى المسجد الذي يصلي به عادة، أو في طريقه إلى العمل، أو في طريقه إلى الأسواق أو في طريقه إلى الأسفار.
1 / 20
جاء في حاشية الروض:
"لأن ما لا يمكن متابعة المشي عليه لا تدعو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة". ا. هـ. … (حاشية الروض المربع لابن قاسم ١/ ٢١٩)
* وقال ابن تيميَّة ٧٢٨ هـ-﵀: "ما لا يُمكن مُتابعةُ المشي فيه إمَّا لضيقه أو ثِقَلِه أو تَكَسُّرِه بالمشي أو تعذُّرِه كرقيق الخِرَق أو اللُّبود، لم يجُز مسحُه؛ لأنّه ليس بمنصوصٍ ولا في معنى المنصوص".
(شرح العمدة ١/ ٢٤٢).
*وجاء في شرح "زاد المستقنع في اختصار المقنع" لمحمد بن محمد المختار الشنقيطي -معاصر-:
"فإن الجورب الذي يجوز المسح عليه يشترط فيه أن يكون صفيقًا، وعلى ذلك كلمة أكثر مَنْ يَرى المسح على الجوربين، أنه لا بد أن يكون صفيقًا، وهي عبارات العلماء، لأن الجوارب الخفيفة الشّفافة هذه لم تكن موجودة على عهد النبي ﷺ؛ إنما كانوا يلبسون الجوارب الثخينة، وكانوا
1 / 21
يمشون بها، ولذلك كانوا يلفون الخرق على أقدامهم، وهو المُعبَّرُ عنه بالتساخين في بعض الروايات، وهذا يدل على ما اعتبره العلماء من اشتراط الصَّفاقَةِ أي: كونه صفيقًا، وأيضًا النظر يقتضيه، فإن الجورب مُنزَّلٌ منزلة الخُفِّ، والخفُّ أصله من الجلد، ولا يمكن للجورب أن يُنزَّلَ منزلَته إلا بالثّخانة، والصّفاقة، وعلى هذا فإنه يصح المسح عليه إذا كان صفيقًا ثخينًا فالذي يشف البشرة، أو يكون غير ثخين فإنه لا يمُسح عليه؛ لأنه غير معروف على عهد النبي ﷺ، ومَن قال بجوازه يقوله بالقياس فيقول: أقيس هذا الشَّفاف على الجورب الموجود على عهد النبي ﷺ ..
ويجاب عنه: بأنه قياس مع الفارق، والفارق هنا مؤثر، ومن شرط صحة القياس واعتباره أن لا يكون قياسًا مع الفارق ثم إن المسح على الخُفَّينِ رخصةٌ جاءت على صفة مخصوصة فيقتصر الحكم على الوارد، والقياس في مثل هذا ضيق.
وعليه فإنه لا يصح المسح على الجوربين إلا إذا كانا
1 / 22
صفيقين، كما نبَّه عليه الأئمة، ومنهم الإمام ابن قدامة -رحمة الله عليه-في المغني، وغيره من أصحاب المتون المشهورة في المذهب الحنبلي - الذين يقولون بجواز المسح على الجوربين -كالإمام الحَجَّاوي في الإقناع، وابن النَّجَّار في المُنتهى، وغيرهم ﵏، كلُّهم نصُّوا على كونه صفيقًا؛ إخراجًا للخفيف الذي يصف البشرة، أو يكون غير ثخين. ا. هـ
(شرح زاد المستقنع للشنقيطي ص: ٢١٥)
1 / 23
ممن حكى الإجماع على أنَّ الجورب إذا كان رقيقًا، فإنه لا يجوز المسح عليه:
* الحافط ابن القَطَّان ٦٢٨ هـ ﵀-حيث قال:
"وأجمع الجميع أنَّ الجوربين إذا لم يكونا كثيفين لم يجز المسح عليهما". (الإقناع في مسائل الإجماع ١/ ٩٠).
* الفقيه الأصولي المحدث علاء الدين الكاساني الملقب بـ (ملك العلماء) ٥٨٧ هـ-﵀ حيث قال:
"وأمَّا المسحُ على الجورَبين فإنْ كانا مجلَّدين أو مُنعَّلين يُجزئُه بلا خلافٍ عند أصحابنا، وإنْ لم يكونا مجلَّدين ولا منعَّلين فإنْ كانا رَقيقين يَشِفَّان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع".
(بدائع الصنائع ١/ ١٠)
= ولذلك قال الشيخ الدكتور مصطفى ديب البغا في كتابه: (بحوث في الفقه المقارن) بعد أن ذكر آراء العلماء:
"إنك ترى أنَّ الجميع أجازوا المسح على الجوربين، وأقوالهم كلها تدل على أن الجوارب المعروفة اليوم لا تنطبق
1 / 24