تنوير المقباس من تفسير ابن عباس
الناشر
دار الكتب العلمية
مكان النشر
لبنان
فِي قلبه كظلمة الْبَحْر وَمثل قلبه كالبحر اللجي وَمثل صَدره كالموج الهائل وَمثل أَعماله كسحاب لَا ينْتَفع بِهِ لقَوْل الله ختم الله طبع الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم فَهَذِهِ ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ من شدَّة الظلمَة فَكَذَلِك الْكَافِر لَا يبصر الْحق وَالْهدى من شدَّة ظلمَة قلبه ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا﴾ معرفَة فِي الدُّنْيَا ﴿فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ من معرفَة فِي الْآخِرَة وَيُقَال وَمن لم يُكرمهُ الله بِالْإِيمَان فِي الدُّنْيَا فَمَا لَهُ من إِيمَان فِي الْآخِرَة
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ﴾ يُصَلِّي لله ﴿مَن فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ من الْمُؤمنِينَ ﴿وَالطير﴾ ويسبح الطير ﴿صَآفَّاتٍ﴾ مفتوحات الأجنحة ﴿كُلٌّ﴾ كل وَاحِد مِنْهُم ﴿قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ﴾ من يُصَلِّي لَهُ ﴿وَتَسْبِيحَهُ﴾ من يسبح لَهُ وَيُقَال قد علم الله صَلَاة من يُصَلِّي وتسبيح من يسبح ﴿وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ﴾ خَزَائِن ﴿السَّمَاوَات﴾ الْمَطَر ﴿وَالْأَرْض﴾ النَّبَات ﴿وَإِلَى الله الْمصير﴾ الْمرجع بعد الْمَوْت
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله يُزْجِي﴾ يَسُوق ﴿سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ يضم بَين السَّحَاب ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ بعضه على بعض يَقُول يَجعله ركامًا ثمَّ يؤلفه مقدم ومؤخر ﴿فَتَرَى الودق﴾ الْمَطَر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ ينزل من خلال السَّحَاب ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ يَقُول ينزل من جبال فِي السَّمَاء بردا ﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ فيعذب الله بالبرد ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَيَصْرِفُهُ﴾ يصرف عَذَابه ﴿عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ ضوء برق السَّحَاب ﴿يَذْهَبُ بالأبصار﴾ من شدَّة نوره
﴿يُقَلِّبُ الله اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ يذهب بِاللَّيْلِ وَيَجِيء بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَجِيء بِاللَّيْلِ فَهَذَا تقليبهما ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا ذكرت من تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وَغير ذَلِك ﴿لَعِبْرَةً﴾ لعلامة ﴿لأُوْلِي الْأَبْصَار﴾ فِي الدّين وَيُقَال فِي الْعين
﴿وَالله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ﴾ على وَجه الأَرْض ﴿مِّن مَّآءٍ﴾ من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى ﴿فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ﴾ الْحَيَّة وأشباهها ﴿وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ﴾ الدَّوَابّ ﴿يَخْلُقُ الله مَا يَشَآءُ﴾ كَمَا يَشَاء ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من الْخلق وَغَيره
﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾ يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَالله يَهْدِي﴾ يرشد إِلَى دينه ﴿مَن يَشَآءُ﴾ وَيكرم من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
ثمَّ نزل فِي شَأْن قوم عُثْمَان بن عَفَّان حِين قَالُوا لعُثْمَان لَا تذْهب مَعَ على للْقَضَاء عِنْد النبى ﷺ فِي خُصُومَة فِي قِطْعَة أَرض كَانَت بَينهمَا لِأَنَّهُ يمِيل إِلَيْهِ فذمهم الله بذلك وَقَالَ ﴿وَيِقُولُونَ﴾ قوم عُثْمَان بن عَفَّان ﴿آمَنَّا بِاللَّه وبالرسول﴾ صدقنا بإيماننا بِاللَّه وبالرسول ﴿وَأَطَعْنَا﴾ مَا أمرنَا بِهِ ﴿ثُمَّ يتَوَلَّى فَرِيقٌ﴾ طَائِفَة ﴿مِّنْهُمْ﴾ من قوم عُثْمَان ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد مَا قَالُوا هَذِه الْكَلِمَة عَن حكم الله ﴿وَمَآ أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ بالمصدقين فِي إِيمَانهم
﴿وَإِذَا دعوا إِلَى الله﴾ إِلَى كتاب الله ﴿وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ﴾ الرَّسُول ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بِكِتَاب الله بِحكم الله ﴿إِذَا فَرِيقٌ﴾ طَائِفَة ﴿مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ عَن كتاب الله وَحكم الرَّسُول
﴿وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ﴾ لقوم عُثْمَان ﴿الْحق﴾ الْقَضَاء ﴿يَأْتُوا إِلَيْهِ﴾ إِلَى النبى ﷺ ﴿مُذْعِنِينَ﴾ مُسْرِعين طائعين
﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾ بل شكوا بِاللَّه وبرسوله ﴿أَمْ يَخَافُونَ﴾ أيخافون ﴿أَن يَحِيفَ الله﴾ يجور الله ﴿عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ فِي الحكم ﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الضارون لأَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا منافقين فِي إِيمَانهم
ثمَّ ذكر قَول المخلصين فَقَالَ ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين كَقَوْل عُثْمَان حَيْثُ قَالَ لعَلي بل أجيء مَعَك إِلَى رَسُول الله ﷺ فَمَا قضى بَيْننَا رضيت بِهِ فمدحه الله بذلك وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ المخلصين وَإِذَا دعوا إِلَى الله ﴿إِلَى كتاب الله﴾
1 / 297