فقالوا: يا رسول الله ما أفصحك ما رأينا الذي هو أفصح منك، فقال: ما يمنعني وإنما أُنزل القرآن بلساني، بلسان عربي مبين.
١٨ - وقال أبو حنيفة: ومن كلام العرب المأثور: " إذا طلعت الشِّعرى سَفَرا، ولم ترَ مطرا، فلا تغذُونَّ إمّرةً ولا إمّرا، وأرسل العُراضات أثرا، يَبغينك في الأرض مُعْمرا.
ثم قال: وقد ظن قوم أن الساجع أراد طلوع الشِّعرى بالغداة، وقد أخطأوا في ذلك، وحكاه من لا أثق به عن مؤرِّج فإن كان صدق، فإن مؤرجًا إذا كان قليل المعرفة بهذا الفن.
وهذا القول منه ئ مؤرّج مثل ما قدمناه في صدر كتابنا من ردّ بعضهم، على بعض، ثم نَصر قوله وبيّن غلط مؤرج وأصاب فيما بيّن ولكنه أتي من حيث أمِنَ. قد غلط هو أيضا في ألفاظ هذا السجع وتفسيره لأنه قال: فأما تفسير الكلام الذي في السَّجع، فإنه يقول: إذا أخطأ الوسميّ فلم يقع له مطر فأُسيء الظن بسنّتك ولا تتشاغل بالغُنْم، ولكن اظعن عن دارك، واطلب بالإبل دارًا قد غاثها الله بغيث فانججُ إليها. والعُراضات أثرًا: هي الإبل، والمَعْمر: المنزل بدار معاش، والإِمَّر: الذكر من أولاد الضأن والأنثى إمّرة، وإنما خصّ الضأن بالذكر، وإن كان أراد جميع الغَنَم لأنها أعجز عن الطلب من المعز، والمعز تدرك ما لا تُدرك الضأن.
فأما ما حكينا من غلطه في الرواية فإن أبا عمرو قال: إذا طلعت الشِّعرى سَفَرًا، ولم ترَ مطرًا، فلا تلحق فيها إمّرة ولا إمّرًا ولا سُقيبًا ذكرًا. وقالي أبو زيد مثله إلاّ أنه روى فلا يلحقن فيها. وأما غلطه في التفسير فإنهما قالا جميعًا في تفسيره. وقد قاله غيرهما الإمّرة: الرجل الذي لا عقل له إلاّ ما أمرته به.
وقال أبو عمرو يقول: لا ترسل في إبلك رَجَلًا لا عقل له يدبّرها. والإمّر والإمّرة أيضًا من الضأن - كما ذكر - إلاّ أن المستعمل هاهنا ما حكيناه، ولعله لو غطّى على الشيخ مؤرّج لأعفاه الله من تكشّفنا.
١٩ - وقال أبو حنيفة قال الأصمعي: الحِدَأ الواحدة حِدَأة، وهي الفأس ذات الرأسين قال: وكذلك قال أبو عبيدة: وقال تقديرها عِنَبة، قال: وإذا كان لها رأس واحد فهي فأس، قال الشمّاخ يصف إبلًا:
يُباكرن العِضاه بمقنعاتٍ ... نواجذُهُنَّ كالحِدَأ الوقيعِ
والناس على خلاف قوله، والمحفوظ عن الأصمعي وأبي عبيدة غير ما قال، وتقديره غلط، ومثاله فاسد.
روى أصحاب الأصمعي عن الأصمعي: الحدأة الفأس لها رأسان والجمع حَدَأ بالفتح. وهكذا قال غيره من الرواة عن أبي عبيد: الحَدَأة - بالفتح - الفأس ذات الرأسين، والحِدَأة - بالكسر - الطائر، ومنه قولهم: " حِدَأة وراءك بُنْدُقة " يعنون الطائر، وقد زعم ابن الكلبي أن حِدَأة وبندُقة قبيلتان والأول هو الأعرف.
وقال أبو يوسف وتقول: هي الحِدَأة والجمع حِدَأ - مكسور الأول مهموز - ولا تقل حَدأة، وتقول في هذه الكلمة: " حِدَأ حِدأ، وراءك بُندقة " وزعم ابن الكلبي عن الشرقي: أن حِدَأة وبُندَقة قبيلتان من قبائل اليمن، قال النابغة:
فأوردهنَّ بطنَ الأتمِ شُعْثًا ... يَصُنَّ المشيَ كالحِدَإ التُّؤامِ
ثم قال: والحِدأ الفؤوس واحدتها حَدَأة بالفتح.
وقال أبو يوسف، قال الشرقي: هو حِدَأ بن نمرة بن سعد العشيرة، وهم بالكوفة، وبندقة بن مَظّة - وهو سفيان بن سِلْهم بن الحكم بن سعد العشيرة - وهم باليمن فأغارت حِدَأ على بُندقة فنالت منهم، وأغارت بُندقة على حِدَأ فأبادتهم.
وقال ابن قتيبة، الحِدَأ: الفؤوس لها رأسان واحدتها حَدَأة مثل فَعَلة - والطائر حِدَأة - بكسر الحاء - والجمع حِدَأ، وهذا هو الصحيح وإياه أراد أبو حنيفة لا محالة فأسقط بعض الكلام فغلط.
٢٠ - وأنشد للبَعيث:
وذي أُشُرٍ كالأُقحوان تشوفُه ... ذهابُ الصّبا، والمُعصِراتُ الدّوالحُ
وقال الدّوالح: الثِّقال التي تدْلح بالماء، ويُروى أنه معنى قول الله ﷿: (وأنْزَلْنا من المُعْصِرات ماءً ثَجّاجًا) . وقد قال قوم: إنَّ المُعصرات الرياح ذوات الأعاصير، وهو الرَّهج والغبار، قال الشاعر:
وكأنَّ سُهْكَ المُعصِرات كَسَوْنَها ... تُرْبَ الفدافدِ والنِّقاعِ بِمُنْحُلِ
1 / 22