تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي

السمرقندي ت. 373 هجري
167

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي

محقق

يوسف علي بديوي

الناشر

دار ابن كثير

رقم الإصدار

الثالثة

سنة النشر

١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م

مكان النشر

دمشق - بيروت

، وَقَالَ: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: ٢٣]، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: ٦٣]، يَعْنِي مُتَوَاضِعِينَ وَمَدَحَهُمْ بِتَوَاضُعِهِمْ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ ﷺ بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٨]، ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٥]، وَمَدَحَ النَّبِيَّ ﷺ بِخُلُقِهِ فقَالَ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤]، وَكَانَ خُلُقُهُ التَّوَاضُعُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ. فَثَبَتَ أَنَّ التَّوَاضُعَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ. وَكَانَ الصَّالِحُونَ مِنْ قَبْلُ، أَخْلَاقُهُمُ التَّوَاضُعُ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ أَتَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ ضَيْفٌ، فَلَمَّا صَلَّى الْعِشَاءَ، وَكَانَ يَكْتُبُ شَيْئًا وَالضَّيْفُ عِنْدَهُ، كَادَ السِّرَاجُ أَنْ يَنْطَفِئَ فَقَالَ الضَّيْفُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقُومُ إِلَى الْمِصْبَاحِ فَأُصْلِحُهُ؟ قَالَ: لَيْسَ مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ ضَيْفَهُ. قَالَ: أَفَأُنَبِّهُ الْغُلَامَ؟ قَالَ: لَا. هِيَ أَوَّلُ نَوْمَةٍ نَامَهَا. فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ الْبَطَّةَ فَمَلَأَ الْمِصْبَاحَ. فَقَالَ الضَّيْفُ: قُمْتَ بِنَفْسِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ذَهَبْتُ وَأَنَا عُمَرُ وَرَجَعْتُ وَأَنَا عُمَرُ، وَخَيْرُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ كَانَ مُتَوَاضِعًا. وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ حَازِمٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّاهُ عُلَمَاؤُهَا وَكُبَرَاؤُهَا فَقِيلَ: ارْكَبْ هَذَا الْبِرْذَوْنَ يَرَكَ النَّاسُ. فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ الْأَمْرَ مِنْ هَهُنَا، إِنَّمَا الْأَمْرُ مِنْ هَهُنَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ، خَلُّوا سَبِيلِي. وَرُوِيَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُلَامِهِ مُنَاوَبَةً، فَكَانَ يَرْكَبُ النَّاقَةَ وَيَأْخُذُ الْغُلَامَ بِزِمَامِ النَّاقَةِ وَيَسِيرُ مِقْدَارَ فَرْسَخٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ نَوْبَةَ رُكُوبِ الْغُلامِ، فَرَكِبَ الْغُلامُ وَأَخَذَ عُمَرُ بِزِمَامِ النَّاقَةِ، فَاسْتَقْبَلَهُ الْمَاءُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَخُوضُ فِي الْمَاءِ وَنَعْلُهُ تَحْتَ إِبِطِهِ الْيُسْرَى، وَهُوَ آخِذٌ بِزِمَامِ

1 / 187