تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي
محقق
يوسف علي بديوي
الناشر
دار ابن كثير
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
مكان النشر
دمشق - بيروت
أَعْمَالَ الْبِرِّ، مِثْلَ الرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ، فَكَانَ لِلنَّاسِ فِيهَا مَنْفَعَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلرِّيَاءِ فَرُبَّمَا يَنْفَعُهُ دُعَاءُ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ بَنَى رِبَاطًا وَكَانَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَا أَدْرِي أَكَانَ عَمَلِي هَذَا للَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا، فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُكَ لِلَّهِ تَعَالَى فَدُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَدْعُونَ لَكَ فَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَسُرَّ بِذَلِكَ.
وَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: اللَّهُمَّ أَهْلِكِ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَوْ هَلَكُوا مَا انْتَصَفْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، يَعْنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ إِلَى الْغَزْوِ وَيُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ.
وَرُوِيَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ﵁، قَالَ: يُؤَيِّدُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقُوَّةِ الْمُنَافِقِينَ وَيَنْصُرُ الْمُنَافِقِينَ بِدَعْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ.
تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْفَرَائِضِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الرِّيَاءُ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَإِذَا مَا أَدَّى مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الرِّيَاءُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ الرِّيَاءُ فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا.
هَذَا عِنْدِي عَلَى وَجْهَيْنِ: إِنْ كَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ رِئَاءَ النَّاسَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ رِئَاءَ النَّاسِ لَكَانَ لَا يُؤَدِّيهَا فَهَذَا مُنَافِقٌ نَامٍ وَهُوَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥]، يَعْنِي فِي الْهَاوِيَةِ مَعَ آلِ فِرْعَوْن، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْحِيدُهُ صَحِيحًا خَالِصًا لَكَانَ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ، إِلَّا أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ النَّاسِ أَحْسَنُ وَأَتَمُّ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ يُؤَدِّيهَا نَاقِصَةً، فَلَهُ الثَّوَابُ النَّاقِصُ وَلَا ثَوَابَ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا مُحَاسَبٌ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
1 / 34