تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي
محقق
يوسف علي بديوي
الناشر
دار ابن كثير
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
مكان النشر
دمشق - بيروت
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِلَةِ الرَّحِمِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ [النساء: ١]، يَعْنِي اخْشَوُا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ الْحَاجَاتِ.
وَالْأَرْحَامَ، يَعْنِي اتَّقُوا الْأَرْحَامَ فَصِلُوهَا وَلَا تَقْطَعُوهَا.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ [الإسراء: ٢٦]، يَعْنِي أَعْطِهِ حَقَّهُ مِنَ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠]، يَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ، وَهُوَ شِهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَيَأْمُرُ بِالْإِحْسَانِ يَعْنِي إِلَى النَّاسِ.
وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى.
يَعْنِي يَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ.
فَأَمَرَ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، ثُمَّ نَهَى عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ.
فَقَالَ ﷿: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾ [النحل: ٩٠]، الْفَحْشَاءُ: الْمَعَاصِي.
وَالْمُنْكَرُ مَا لَا يُعْرَفُ فِي شَرِيعَةٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَالْبَغْيُ الِاسْتِطَالَةُ عَلَى النَّاسِ.
يَعِظُكُمْ يَعْنِي يَأْمُرُكُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، يَعْنِي لِكَيْ تَتَّعِظُوا.
١٦٤ - وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدِيقًا لِي، وَمَا أَسْلَمْتُ إِلَّا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّهُ كَانَ يَدْعُونِي إِلَى اللَّهِ فَأَسْلَمْتُ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْتَقِرُّ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ يَوْمًا يُحَدِّثُنِي، إِذْ أَعْرَضَ عَنِّي فَكَأَنَّهُ يُحَدِّثُ أَحَدًا بِجَنْبِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: " نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ ﵊ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: ٩٠]، فَسُرِرْتُ بِذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي.
فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَأَتَيْتُ عَمَّهُ أَبَا طَالِبٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كُنْتُ عِنْدَ بْنِ أَخِيكَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ.
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: تَابِعُوا مُحَمَّدًا تُفْلِحُوا وَتَرْشُدُوا، وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ أَخِي يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، لَئِنْ كَانَ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا لَا يَدْعُوكُمْ إِلَّا إِلَى الْخَيْرِ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَطَمِعَ فِي إِسْلَامِهِ.
فَأَتَى إِلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ.
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦]، فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ﷿ فِي هَذِهِ الْآيَةِ صِلَةَ الرَّحِمِ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴿٢٢﴾ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ [محمد: ٢٢-٢٣]، يَعْنِي الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الرَّحِمَ
1 / 136