113

وقوله : (( ليقتدى الأنام )) هذا إشارة إلى السبب الذي من أجله جمع الإمام عثمان بن عفان القرآن ، مجردا على حرف واحد ، وبيان ذلك(¬1): أن السبب الذي من أجله جرده عثمان على حرف واحد ، هو كثرة الاختلاف الواقع بين الناس في القرآن في زمانه ، حتى نسب بعضهم إلى بعض الكفر ، ويقول بعضهم لبعض : قراءتي أولى من قراءتك ، وظهرت بينهم في ذلك منازعة ومباغضة عظيمة ، وذلك حين جيش حذيفة بن اليماني(¬2) - رضي الله عنه - جيوش الشام والعراق عند فتح أرمينية وأذربيجان(¬3)، فلما شهد حذيفة ذلك الاختلاف ، فقال لعثمان - رضي الله عنه - : يا أمير المؤمنين بادر القرآن واجمعه على حرف واحد ، قبل أن يختلف الناس [فيه](¬1)اختلاف اليهود والنصارى ، فاستشار عثمان في ذلك الجمع(¬2)المهاجرين والأنصار ، فحضوه على ذلك وحرضوه عليه ، ولا منازع له في ذلك ولا مخالف ، فأرسل عثمان - رضي الله عنه - إلى حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - أن أرسلي إلينا الصحائف ننسخها في المصحف(¬3)، ففعلت ذلك ، فقال عثمان(¬4): أي الناس أعرب؟ فقالوا : سعيد بن العاص(¬5)، فقال : وأي الناس أكتب؟ ، فقالوا : زيد بن ثابت ، فقال عثمان - رضي الله عنه - : فليمل سعيد ، وليكتب زيد ، وأحضر عثمان معهما رجلين : عبد الله بن الزبير(¬6)وعبد الرحمن ابن الحارث(¬7)، فقال عثمان لزيد [بن ثابت](¬1): إذا اختلفت أنت مع الرهط الثلاثة القريشيين(¬2)، فاكتبوه بلسان قريش ، فإن القرآن نزل بلغة قريش ، فلم يختلفوا في شيء إلا في حرف واحد ، وهو: { التابوت } في سورة البقرة(¬3)، فقال زيد : "التابوه" بالهاء ، وقال الرهط القريشيون : "التابوت" بالتاء ، فارتفعوا إلى عثمان ، فقال لهم : اكتبوه بالتاء(¬4).

فتحصل من هذا : أن السبب الذي من أجله جمع عثمان القرآن وجرده على حرف واحد هو : الاختلاف الواقع بين الناس بزمانه(¬5).

وقد بين أبو عمرو هذا كله في كتاب المنبهة(¬6):

وولي الناس الرضى عثمان وبايع الكل له ودانوا

فحضهم معا على الجهاد فانبعث القوم على معاد

وقصدوا مصححين النية نحو أذربيجان وأرمينية

فاجتمع الشامي والعراقي في ذلك الغزو على وفاق

فسمع البعض قراءة البعض فقبلوا قراءتهم بالنقض

واختلفوا(¬7)في أحرف التلاوة حتى بدت بينهم العداوة

ووصل الأمر إلى عثمان أخبره حذيفة بالشأن

وما جرى بينهم هناك وما رءا من أمرهم في ذاك

فقال هذا الأمر فأدركه فهو مفضل فلا تتركه

فجمع الإمام من بالدار من المهاجرين والأنصار

وقال قد رأيت أمرا فيه مصلحة وهو ما أحكيه

رأيت أن أجمع هذه الصحف في مصحف بصورة لا تختلف

أدخله ما بين دفتين فصوب الكل لذي النورين

ما قاله وما رءا من ذلك(¬8)ولم يكن مخالفا هناك

وقال لابن ثابت تولى هذا فأنت الثقة المعلى

لذاك قد قدمك الصديق فأنت لا شك به حقيق

صفحة ١٧٣