10 (2) رأي علماء الدين
أما علماء الدين فمنزعهم غير ذلك المنزع، وهم في أكثر الأمر خصوم للفلسفة في غير هوادة ولا رفق، ونقول: في أكثر الأمر؛ لأن بعض الدينيين ممن كان للفلسفة في عقولهم أثر لا يخلو طعنهم على الحكمة من رفق. وفي كتاب «اللطائف» لأحمد بن عبد الرزاق المقدسي أن أبا عثمان الجاحظ مدح الفلسفة وذمها فيما مدحه وذمه من العلوم، معربا عن قدرته على الكلام وبعد شأوه في البلاغة، قال في الفلسفة مادحا: «قيل ما الفلسفة؟ قال: أداة الضمائر، وآلة الخواطر، ونتائج العقل، وأداة لمعرفة الأجناس والعناصر، وعلم الأعراض والجواهر، وعلل الأشخاص والصور، واختلاف الأخلاق والطبائع والسجايا والغرائز.»
11
وفي باب الذم: «قيل: ما الفلسفة؟ قال: كلام مترجم وعلم مرجم، بعيد مداه، قليل جدواه، مخوف على صاحبه سطوة الملوك وعداوة العامة.»
12
والجاحظ من المعتزلة، بل هو رأس فرقة من فرق المعتزلة تنتسب إليه، وتسمى: «الجاحظية»، والصلة بين الفلسفة وبين مذاهب الاعتزال معروفة.
وفي العلماء الدينيين من لا صلة لهم بالاعتزال، ولكنهم مع ذلك ليسوا غرباء عن الفلسفة، وليس في كلامهم عن الصلة بينها وبين الدين تلك الجفوة التي نجدها في أساليب المتأخرين، ومن هؤلاء العلماء أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، المتوفى سنة 502ه/1108-1109م، المعتبر من أئمة السنة، وصاحب كتاب «الذريعة إلى مكارم الشريعة» الذي قيل: إن الغزالي كان يستصحبه دائما ويستحسنه لنفاسته.
يقول الراغب الأصفهاني في كتاب «تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين»: «واعلم أن العقل بنفسه قليل الغناء، لا يكاد يتوصل إلا إلى معرفة كليات الأشياء دون جزئياتها ، نحو أن يعلم جملة حسن اعتقاد الحق وقول الصدق وتعاطي الجميل، وحسن استعمال العدالة وملازمة العفة، ونحو ذلك من غير أن يعرف ذلك في شيء شيء.
والشرع يعرف كليات الأشياء ويبين ما الذي يجب أن يعتقد في شيء شيء، وما الذي هو معد له في شيء شيء، ولا يعرفنا العقل مثلا أن لحم الخنزير والدم والخمر محرم، وأنه يجب أن يتحامى من تناول الطعام في وقت معلوم، وألا تنكح ذوات المحارم، وألا تجامع المرأة في حال الحيض، فإن أشباه ذلك لا سبيل إليها إلا بالشرع؛ فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المستقيمة، والدال على مصالح الدنيا والآخرة، ومن عدل عنه فقد ضل سواء السبيل.»
13
صفحة غير معروفة