على أن القول بأن أبا يوسف هو أول من تكلم في أصول الفقه علما ذا قواعد عامة يرجع إليها كل مستنبط لحكم شرعي، هذا وقد نقلنا آنفا عن ابن عابدين أن أبا حنيفة كان إذا وقعت واقعة شاور أصحابه شهورا أو أكثر حتى يستقر آخر الأقوال فيثبته أبو يوسف حتى أثبت الأصول على هذا المنهاج.
وفي رسالة ابن عابدين: «ثم هذه المسائل التي تسمى بظاهر الرواية والأصول هي ما وجد في كتب محمد التي هي المبسوط والزيادات والجامع الصغير والسير الصغير والجامع الكبير، وإنما سميت بظاهر الرواية لأنها رويت عن محمد برواية الثقات، فهي ثابتة عنه، إما متواترة أو مشهورة عنه.»
213
وكل ذلك يدل على أن أبا يوسف هو أول من أثبت الأصول التي هي فتاوى اتفق عليها الإمام وأصحابه، وأن محمدا جمع من كتب السنة مسائل الأصول، وتسمى ظاهر الرواية أيضا، وهي - كما يقول ابن عابدين في الرسالة المذكورة - مسائل رويت عن أصحاب المذهب، وهم: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، رحمهم الله تعالى، ويقال لهم العلماء الثلاثة.»
فليس بمستبعد أن يكون ما نسب لأبي يوسف من أنه أول من وضع الكتب في أصول الفقه، وما نسب لمحمد من أنه ألف كتاب أصول الفقه، إنما أريد به أصول فقه أبي حنيفة؛ أي المسائل التي أشار الإمام بثباتها بعد مشاورة أصحابه، وقد يعضد هذا الفهم تعبير صاحب «الفهرست» عند تعديد كتب أبي يوسف بقوله: «ولأبي يوسف من الكتب في الأصول والأمالي
214
كتاب الصلاة وكتاب الزكاة، ... إلخ.»
215
وعند ذكر الكتب التي ألفها محمد بقوله: «ولمحمد من الكتب في الأصول كتاب الصلاة، وكتاب الزكاة ... إلخ.»
216
صفحة غير معروفة