قال: «ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.» وبه إلى مسلم، ثنا يحيى بن يحيى، وإسحاق بن منصور، وأحمد بن سعيد بن صخر الدارمي، قال يحيى: أنا أبو قدامة الحارث بن عبيد، وقال إسحاق: ثنا عبد الصمد، وهو ابن عبد الوارث التنوري، ثنا همام، وقال أحمد ثنا حبان، ثنا أبان، قالوا كلهم ثنا أبو عمران الجوني عند جندب بن عبد الله البلخي عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا.» وبه إلى مسلم، حدثني زهير بن حرب، ثنا جرير، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «إن الله - تعالى - يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.»
قال أبو محمد: ففي بعض ما ذكرنا كفاية؛ لأن الله - تعالى - نص على أن الاختلاف شقاق وأنه بغي، ونهى عن التنازع والتفرق في الدين، وأوعد على الاختلاف بالعذاب العظيم وبذهاب الريح، وأخبر أن الاختلاف تفرق عن سبيل الله، ومن عاج عن سبيل الله فقد وقع في سبيل الشيطان.»
58 (3-5) نظرة إجمالية
وجملة القول أن التشريع في عهد النبي كان يقوم على الوحي من الكتاب والسنة، وعلى الرأي من النبي ومن أهل النظر، والاجتهاد من أصحابه بدون تدقيق في تحديد معنى الرأي، وتفصيل وجوهه، وبدون تنازع ولا شقاق بينهم.
فرأى كل صحابي ما يسره الله له من عبادته (أي النبي) وفتاواه وأقضيته، فحفظها وعقلها، وعرف لكل شيء وجها من قبل حفوف القرائن به. فحمل بعضها على الإباحة، وبعضها على النسخ لأمارات وقرائن كانت كافية عنده، ولم يكن العمدة عندهم إلا وجدان الاطمئنان والثلج
59
من غير التفات إلى طريق الاستدلال، كما نرى الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم، وتثلج صدورهم بالتصريح والتلويح والإيماء من حيث لا يشعرون.
صفحة غير معروفة