هوامش
الفصل الثالث
الرأي وأطواره
ذكرنا في الفصل السابق مذاهب الباحثين في تاريخ الفقه الإسلامي ومصادره في أدواره المختلفة تمهيدا لدرس نشوء الرأي في الإسلام وأطواره.
ونريد بالرأي في هذا الموضع معناه اللغوي أو ما يقرب من معناه اللغوي؛ ففي «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» لأحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفى سنة 770ه/1368م: «الرأي في اللغة العقل والتدبير، ورجل ذو رأي أي بصيرة وحذق بالأمور، وجمع الرأي: آراء.» وفي «النهاية في غريب الحديث والأثر» لمحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الملقب بابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606ه/1309م: وفي حديث عمر وذكر المتعة: «ارتأى امرؤ بعد ذلك ما شاء أن يرى»؛ أي فكر وتأنى، وهو افتعل من رؤية القلب أو من الرأي، ومنه حديث الأزرق بن قيس: وفينا رجل له رأي، يقال فلان من أهل الرأي؛ أي يرى رأي الخوارج ويقول بمذهبهم، وهو المراد ها هنا، والمحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي، يعنون أنهم يأخذون برأيهم فيما يشكل من الحديث أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر.»
وفي «المغرب في ترتيب المعرب» لأبي الفتح المطرزي المتوفى سنة 610ه/1313م «والرأي ما ارتآه الإنسان واعتقده، ومنه ربيعة الرأي - المتوفى سنة 136ه/753-754م على الصحيح - بالإضافة، فقيه أهل المدينة، وكذلك هلال الرأي بن يحيى البصري المتوفى سنة 245ه/859-860م.»
وقد بين ابن قيم الجوزية معنى الرأي المراد بيانا واضحا، معتمدا على أصله اللغوي، فقال في كتاب «إعلام الموقعين عن رب العالمين»:
1 «والرأي، في الأصل، مصدر رأى الشيء، يراه، رأيا. ثم غلب استعماله على المرئي نفسه، من باب استعمال المصدر في المفعول كالهوى في الأصل مصدر هويه يهواه، هوى. ثم استعمل في الشيء الذي يهوى - يقال: هذا هوى فلان.
والعرب تفرق بين مصادر فعل الرؤية بحسب محالها، فتقول: رأي كذا في النوم رؤيا، ورآه في اليقظة رؤية، ورأى كذا، لما يعلم بالقلب ولا يرى بالعين، رأيا، ولكنهم خصوه بما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب مما تعارض فيه الأمارات، فلا يقال لمن رأى بقلبه أمرا غائبا عنه مما يحس به إنه رأيه، ولا يقال أيضا للأمر المعقول الذي لا تختلف فيه العقول ولا تتعارض فيه الأمارات إنه رأى وإن احتاج إلى فكر وتأمل كدقائق الحساب ونحوها.»
2
صفحة غير معروفة