============================================================
النمهيد شح معالمر العدل والتوحيل فأما الآيات الدالة على إثبات الصانع وصفاته والنبوة والرد على منكريها فأكثر من أن تحصى، وإذا كان كذلك فكيف يمكن أن يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة كانوا منكرين للخوض في هذه الأدلة ولا يقال أيضا: إنهم كانوا منكرين للجدل؛ لأن الله تعالى أمر نبيه بالجدل في قوله: (وجادهم بالتي هي أحسن)(1). وإذا ثبت ذلك تقرر أن النهي الوارد عن الخوض في الكلام في المعقولات ما كان مطلقا، وإنما ورد عن تكبير الشبهات وإيراد الضلالات، وهذا ما لا نزاع فيه.
السؤال الرابع إذا سلمنا لكم أن معرفة الله تعالى واجبة فلم قلتم: إنه لا طريق إلى معرفته إلا بالنظر، فما دليلكم على ذلك، وهلا جاز أن يكون الطريق إلى معرفته أحد أمرين إما بالتصفية للنفس من العلائق الجسدانية والهيئات البدنية، فإنها متى خلت عن هذه الأمور حصل لها عقائد يقينية كما هو مذهب الصوفية وأهل الرياضة، وإما أن يكون خبر شخص وهو المعلم الصادق كما هو مذهب التعليمية، وإذا كان كذلك فالتصفية والتعليم وإن لم يتعينا طريقا إلى معرفة الله تعالى فلا أقل من أن يكونا من (ك) جملة الطرق الموصلة إلى معرفة الله تعالى، وإذا كان كذلك بطل ما ذكرتموه من الحصر في النظر.
و أما الجواب فإنا قد بينا أن طريق تحصيل العلم بالأشياء لا يكون إلا بالحس أو الخبر أو البديهة أو النظر، ولما بطل أن يكون الحس والبديهة والخبر طريقا إلى معرفة الله تعالى تعين النظر، قوله: لم لا يجوز أن تكون التصفية والتعليم طريقا إلى اكتساب المعارف؟ قلنا: أما التصفية فالعقائد الحاصلة عندها إما أن تكون من فعل الله تعالى أو من فعلنا، فإن كانت من فعل الله تعالى فهي ضرورية، وقد قدمنا أن معرفة الله تعالى ليست ضرورية، وإن كانت من فعلنا فلا يخلو إما أن تكون تلك العقائد لازمة للعلوم الضرورية ومترتبة عليها أم لا، فإن ا- سورة النحل: آية 125.
2- في الأصل: في من
صفحة ٥٨