315

============================================================

النمهيد شح معالم العدل والنوحيل العلم باستحالة الرؤية غير واجب، ثم ولو كانت واجبة فلعل موسى عصى بتركها، ومذهبكم تجويز المعاصي على الأنبياء، ويؤكد عصيانه أمران: أما أولا فلأنه تاب، والتوبة لا تكون إلا عن معصية.

و أما ثانيا فلأنه سأل الرؤية في الدنيا، وليس لأحد عندكم أن يراه في الدنيا، فقد عصى موسى بسؤاله.

لا يقال: إن أبا الحسين يدعي العلم الضروري بأن المرئي يجب أن يكون مقابلا للرائي أو في حكم المقابل له، والعلم الضروري أيضا حاصل بأن ما كان مقابلا أو في حكمه فهو ختص بالجهة، إما متحيز أو عرض، فهذان العلمان الضروريان إما أن يكونا حاصلين لموسى عليه الصلاة والسلام أو لا يكونا حاصلين، فإن كانا حاصلين لزم من صحة سؤاله الرؤية اعتقاده لكونه تعالى جسما متحيزا أو عرضا، وذلك مما لا يجوز باتفاق على الأنبياء؛ لأن تجويز ذلك يمنع من العلم بحكمته تعالى عندكم، وإن لم يحصل لموسى هذان العلمان الضروريان كان ذلك قدحا في كونه عليه الصلاة والسلام عاقلا، وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن المسلمين؛ لأنا نقول: ذكر الخوارزمي كلاما حاصله أن المرئي يجب أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل إنما يحصل بالخبرة والاستقراء في الشاهد، ثم يعلم ذلك في الغائب بطريق النظر، فلا يبعد أن يطلب موسى دليلا سمعيا ليعلم بنظره فيه وتأمله له أن الله تعالى غير مرئي، قوله: العلم بأن المرئي يجب أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل إما أن يكون حاصلا لموسى عليه الصلاة والسلام أم لا، قلنا: أما في الشاهد فهو حاصل بعد الخبرة والاستقراء، وأما في الغائب فليس بحاصل، وإنما يحصل بعد حصول سمع الدليل السمعي، والنظر فيه. قوله: لو لم يكن حاصلا لزم أن يكون موسى غير عاقل. قلنا: إنما ال يلزم أن يكون غير عاقل لو لم يحصل هذا العلم بعد الخبرة والاستقراء في الشاهد، فأما إذا كان حاصلا فلا، فأما في الغائب فإنما يعلم بنظر وتأمل، فلا يكون معدودا في كمال العقل.

صفحة ٣١٥