============================================================
الهيد شح معالمر العدل والتوحيل واعلم أن ما ذكرناه في الوجه الرابع وساثر الأدلة النقلية لا ينبغي إيرادها دلالة على حدوث كلام الله تعالى؛ لأنها متناولة هذه الحروف والأصوات ودالة على حدوثها، ولا خلاف بيننا وبين خصومنا من الأشعرية في حدوث هذه الحروف والأصوات، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في حدوث هذه الصفة - أعني المتكلمية- على زعمهم أنها ثابتة له تعالى بكونه متكلما، وأنها قديمة كسائر صفاته من القدرة والعلم، فأما هذه الحروف والأصوات التي أثبتوها دلالة على تلك الحالة فلا شك في حدوثها، وهذا لما كان أكثر أدلة المعتزلة على حدوث كلام الله تعالى متناولة هذه الحروف والأصوات أغفلنا ذكرها وتركنا إيرادها لميلها عن الغرض وانحرافها عن المقصد، وإنما يتوجه إيرادها على هؤلاء الحنابلة حيث زعموا أن هذه الأحرف المؤتلفة والكلمات المنتظمة قديمة، وهو جهل منهم بماهية القديم كما مر بيانه.
والمعتمد في إبطال قدم الكلام ما أسلفناه في المعاني القديمة وما ذكرناه هاهنا من الوجوه العقلية. ولهم شبهتان: الشبهة الأولى قولهم: لو لم يكن متكلما بكلام قديم للزم أن يكون متكلما بكلام محدث، ومحال أن يكون متكلما بكلام محدث؛ لأن ذلك الكلام إما أن يوجد فيه أو في غيره أو يوجد لا في محل. والأقسام كلها باطلة، فيجب أن يكون متكلما بكلام قديم.
ل وجوابه أنا نقول: إن المتكلم هو فاعل الكلام كما سبق، فإن كان القديم تعالى فاعلا للكلام وجب أن يكون متكلما. فأما كون الكلام حالا أو غير حال فيحتاج إلى نظر مستأنف، ونظرنا بعد فعرفنا أن الكلام لا يمكن وجوده لا في محل؛ لأنه لا يعقل إلا مدركا، وإدراكه تبعا لحلوله، وكذلك القول في سائر الأعراض لا يعقل وجودها إلا في محل:
صفحة ٢٥٨