وقد ذكرنا أن أمير الجيوش بونابرته قد أرسل عثمان خواجا إلى مدينة رشيد، وعندما وصل ألقوه في السجن، وأرسل الجنرال الموجود في رشيد أحضر عدة شهود إسلام واستشهدهم قدام الديوان الخصوصي، فشهدوا له قدام القاضي والمفتي أن عثمان خواجا في أيام مراد بيك كان رجل ظالم وهو الآن مستوجب الموت، وأخرج فتوى من جميع الأعيان، وأمر أن يطوفوا به المدينة ويقتلوه، وأرسل الفتوى إلى جميع الأقاليم المصرية؛ ليعلمهم بقتله.
وهذه هي صورة الفتوى حكم الشرع الشريف الذي صدر من محكمة رشيد دام جلالها على عثمان خواجا، خطابا إلى حضرة الجنرال الحاكم في البلد المذكورة، مؤرخ بأربعة وعشرين من شهر ترميدور سنة السبعة من إقامة الجمهور الفرنساوي؛ يعني في الثامن من ربيع الأول سنة 1214:
وصلنا مكاتيبكم بالأمر أننا نستخبر ونكشف عن جميع الأعمال التي حدثت من طرف عثمان خواجا كرولي، وننظر إن كان حصل منه الشر أكثر من الخير، وبموجب هذا الأمر بحضور حضرة سيدنا شيخ الإسلام العالم المتورع الشريف أحمد الخضاري مفتي حنفي، ونقيب الأشراف المكرم المحترم الشريف بدوي، وقدوة الأعيان الحاج أحمد أغا السلحدار، والمكرم علي شاوش كتخدا، وقدوة التجار أحمد شحال، والمكرم سليم أغا، والمكرم إبراهيم الجمال، والشريف علي الجماني، والشيخ مصطفى ظاهر، والشريف إبراهيم سعيد، والمكرم محمد القادم، والحاجي باشي سليمان، وبحضور جماعة المسلمين خلاف المذكورين أعلاه، ثم حضر رمضان حمودي ومصطفى الجبار وأحمد شاوش وعبد الله والحاج حسن أبو جودة والحاج بدوي المقرالي وعلي أبو زرازي وبدوي دياب وحسن عرب، وثبت من إقرارهم ومن شهاداتهم أن عثمان الخواجا المذكور كان ظلمهم ظلما شديدا بالضرب والحبس من دون حق ونهب أملاكهم.
وخلاف ذلك سئل من جماعة المسلمين الحاضرين في المجلس إن كان حصل من طرف عثمان خواجا الشر أكثر من الخير؟ فكلهم قالوا بلسان واحد أن حصل من طرف عثمان خواجا الشر أكثر من الخير؛ وبسبب ذلك انقطع رأس عثمان خواجا حاكم رشيد سابقا.
مطابق لأصله ومعناه باسم حاكم رشيد الآن
طبع بمطبعة الفرنساوية العربية بمصر المحروسة
ومن بعد حضور أمير الجيوش إلى مصر في 12 ربيع الأول صنع مولد النبي حسب السنة الماضية، وعمل محفلا عظيما، وأحضر مصطفى باشا وجميع العلماء والأعيان، وصنع وليمة عظيمة لها قدر وقيمة، وأحضر آلات الطرب والموسيقة، ثم بعد أربعة أيام ركب بعسكره الخاص وأظهر أنه يريد يدور على الأقاليم المصرية لأجل تطمين الرعية، وأخذ معه الجنرال إسكندر وثلاثماية من العسكر والجنرال ميراد وقصد مدينة منوف، ومن هناك انتقل إلى الإسكندرية، وبعد أيام وجيزة دبر أمر السفر، وهيأ له ثلاثة مراكب، وأرسل لهم ليلا عدة صناديق مملوءة الجواهر الثمينة، والأسلحة العظيمة، والأمتعة والقماش، والأمور التي كان اكتسبها، وعدة من الممالك الصغار كان استخدمهم عنده وزخرف أطواقهم وكساءهم.
وبعد ذلك التدبير صنع وليمة عظيمة إلى الجنرال سميت سرعسكر الإنكليز، وكان حين ارتفع الحصار عن الجزار توجه بمراكبه إلى تجاه الإسكندرية، ومن عادة الإفرنج أن في الأيام التي لم يكن فيها حروب فليس فيه امتناع عن بعضهم بعض، وحين حضر الجنرال سميت ساري عسكر الإنكليز قدم له أمير الجيوش غاية الإكرام، وأعطاه هدايا جزيلة الثمن، ثم طلب منه بأن يأذن له أن يرسل ثلاثة مراكب صغار إلى بلاد فرنسا، فأذن له بذلك، وبعد رجوع ساري عسكر الإنكليز إلى مراكبه في تلك الليلة نزل بونابرته في تلك المراكب بمن معه من الرجال، وخرج من البوغاظ بريح عاصف، وفي ثاني الأيام بلغ خبر مسيره إلى الجنرال سميت، فعظم عليه ذلك الأمر، وأقلع بمراكبه في طلبه فلم يجد له خبر ولا رأى له أثر، ونجا منهم بحسن خبرته ومزيد فطنته وسمو حكمته، وقد استغنم الفرص وفر منهم كما يفر العصفور من القفص، وبقوة المولى العزيز نجا من أعدائه الإنكليز، ووصل إلى مدينة باريز، وخلص حاله بتدبير ذلك الأمر، وكان نفوذه من عجايب الدهر واستغرب أهل ذلك العصر، وقالت الناس: ما ذلك إلا من غرايب الأمور ودليل على سعده المقدور.
وكانت إقامة في الديار المصرية أربعة عشر شهرا، وكان قبل نزوله في المراكب كتب إلى الجنرال كليبر يعلمه بذلك التدبير، ويوعده أن يرسل له الإسعاف والإمداد بعد وصوله لتلك البلاد، وأنه يكون قايم عوضه أمير الجيوش، وكان وقتيذ في مدينة دمياط، وكتب أيضا إلى الجنرال دوكا القيمقام أنه يكون كما كان من ذلك الاهتمام، وأن يعلم أهل الديوان ليوزعوا الأعلام على الرعية بكل البلدان، ويكونوا كما كانوا بأمان واطمئنان، وكتب أيضا إلى جميع الجنرالية يعرفهم بذهابه وكيف يتدبرون بعد غيابه، ويوصيهم بحفظ البلاد والسلوك مع العباد، ويوعدهم بالإسعاف والإمداد، وأنه قريبا يرجع إليهم بالعساكر الشداد والأبطال الجياد، وجعل لهم إلى رجوعه ميعاد؛ وهي أربعة أشهر تمام، وإذا أبطأ عليهم بعد تلك الأيام فلهم الإذن أن يسلموا المملكة للإسلام بالصلح، ويجعلوا الاتفاق عن يد الإنكليز، ويذهبوا إلى مدينة باريز، وعندما شاعت الأخبار في تلك الديار والأقطار المصرية عن ذهاب أمير الجيوش فرحت أهل مصر فحزنت الفرنساوية، وأما أمر الجنرال دوكا أصحاب الديوان أن يكتبوا إلى ساير البلدان ويخبروهم بذلك الشان.
صورة الكتابات
صفحة غير معروفة