فلا إفراط ولا تفريط، وهذه القاعدة من أكبر القواعد الفقهية بل حقها أن تجعل من مقاصد الشريعة؛ لأن مبنى الشريعة عليها في عقائدها وأحكامها، فنحن أمة وسطًا في أصول الدين وفروعه (١)، كما قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ والوسط هم الخيار العدول، فأمة الإسلام وسط بين الأمم، وأهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة وسطية الأمة بين الأمم، وقد دل على هذه القاعدة الاستقراء التام لأدلة الشريعة أصولًا وفروعًا، وقولنا: (بلا إفراط) أي بلا غلو ومجاوزة للحد، وقولنا: (بلا تفريط) أي التساهل والترك والتضييع، ومن أدلتها الآية السابقة، وهي من أهمها ومن ذلك قوله ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد قال ﵁: لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت. فقال له ﷺ: (أنت الذي قلت ذلك) . فقال: نعم بأبي وأمي أنت يا رسول الله. فقال: (إنك لا تستطيع ذلك ولكن قم ونم وصم وافطر وصم من الشهر ثلاثة أيام ... إلخ) متفق عليه، فقوله: (قم ونم وصم وافطر) تربية على الوسطية، ومنهج بين الإفراط والتفريط، أي لا تقم الليل كله ولا تنم الليل كله، ولكن قم بعضه ونم بعضه، ولا تصم الدهر كله ولا تفطره كله ولكن صم بعضه وافطر بعضه، فلا رهبانية في الإسلام ولا غلو ولا تقصير، بل عدل ووسط، فهو دين يعطي النفس رغبتها من العبادة ويعطيها ما تقتضيه فطرتها من الراحة. ومن ذلك أنه ﷺ قال: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب
(١) تقسيم الدين إلى أصول وفروع تقسيم حادث كما قاله شيخ الإسلام فيقال في العلميات والعمليات أو في العقائد والأحكام ولا بأس بالتسمية الأولى أيضًا، وإن المحذر اعطاء كل تسميه أحكامًا ليست للأخرى في باب الإجتهاد.
1 / 33