ثم قال لابنه قم فأطلق عمك • ووار أخاك • وشق إلى امه مائة من الإبل فإنها غريبة وقيل للإسكندر أن فلانا وفلانا يثلبانك وينتقصانك فلو عاقبتهما فقال فقال هما بعد العقوبة على ثلبي وتنقصي أعذر • وذكر في كتاب جامع الحكايات أن أمير المؤمنين المعتصم كان في غاية الشدة واستمساك البدن ونهاية القوة • وإنه في بعض متصيداته مع المأمون خرج عليه أسد فنزل عن فرسه وقاومه وقطع رأسه وحمله إلى المأمون ثم أنه في أيام خلافته ركب يوما وكان شديد البرد فمر في سيرانه بشيخ كبير قد انحنى ظهره من الكبر وهون يسوق حمارا ضعيفا عليه حطب وقد توحل الحمار في الطين وكل منهما قد تغلب لعجزه وضعفه لا الحمار له نهضة الخلاص من الرجل • ولا الشيخ فيه قوة تعينه على ما هو فيه وقد ضعف الطالب والمطلوب • فرق له قلب المعتصم فأوقف حاشيته مكانهم وتوجه إلى الشيخ وحده فوجده في أشد ما يكون من الحال • ودموعه تتساقط من البرد فنزل عن فرسه • وشمر عن ساعديه • وعزز أذياله في محزمه وجذب الحمار فخلصه من الطين ثم إنه أراد أن يكمل احسانه • ويلحم ما أسداه من الخير بالمعروف فأمر للشيخ بخمس مائة دينار • فلما جاء الشيخ إلى منزله باع الحمار واشترى فرسا • وظهر في حالة حسنة فقال الجيران أنه لقي خبيه وقالوا له أطعمنا مما أطعمك الله وإلا وشينا بك فإنك لقيت كنزا فقال كلا والله ما لقيت شيئا • ولكن لحظتني لواحظ السعادة بعين العطف والرحمة • واشرقت علي شمس السعد فأنجتني من ظلمات الخمول • حكى الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله أن مالك بن دينار رضي الله عنه كان له جار يتعاطى المنكرات ويؤذي الجيران فاجتمعوا إلى مالك رضي الله عنه وشكوه إليه فأحضره وقالوا له إن الجيران يشكون منك لأنك تؤذيهم بما أنت عليه من ارتكاب
36ظ
الفواحش واخرج من المحلة فقال أنا في منزلي لا أخرج منه • فقال له بع دارك فقال ولا يلزمني أحد يبيع ملكي • فقال له نشكوك إلى السلطان • فقال السلطان يعرفني وأنا من خواصه • فقال له ندعوا الله عليك فقال الله ارحم بي منكم • قال مالك رضي الله عنه فغاظني لشدة جداله فلما امسيت قمت إلى الصلاة وهممت بالدعاء عليه فهتف بي هاتف لا تدع عليه فإنه من أوليائنا • فلما أصبحت أتيت إلى بابه ودققت عليه الباب فخرج فلما رآني ظن أني جئت لإخراجه من المحلة فجعل يعتذر فقلت له ما جئت لهذا ولكن رأيت في حقك كذا فبكى وقال إذا كان كذلك فأشهدك أني تائب لوجهه الكريم • ثم خرج من الدار فلم أره بعد ذلك فخرجت بعد مدة إلى الحج فرأيت حلقة في الحرم • فتقدمت إليها فرأيت مريضا مطروحا في وسطها وإذا هو جاري ذلك • فلم البث حتى فارق الدنيا رحمه الله • وقيل أن المأمون ركب يوما بالشماسية ومعه أحمد بن هشام فصاح رجل الله الله يا أمير المؤمنين فوقف له المأمون فقال له إني رجل جئتك من فارس وقد ظلمني أحمد بن هشام واعتد علي فقال له المأمون كن بالباب حتى أرجع وانظر في أمرك فلما مضي التفت إلى أحمد ابن هشام وقال ما أقبح بك أن تقعد أنت وصاحبك على رؤس13 الأشهاد • في دست المظالم • ثم يكون خصمك ظالما وأنت مظلوم • فكيف إذا قعدت أنت وهو وأنت ظالم وهو مظلوم • وهو محق وأنت مبطل • فوجه إليه من يجمله إلى رحلك واسترضه ولا تحوجه إلى الحضور إلى بابنا • فلو ظلمت أبني العباس كان أهون علي من أن تظلم رجلا تعني من شاحط البلاد • وقطع المهامه والبرادي وتجشم ركوب الأخطار • ومكابدة الهواجر • وطول المسافة • وليس له معين ولا ملجأ ولا حيلة • ولا يتيسر له النظر إلى كل وقت • إذا والله لا ننصفه • ثم لا ننصفه • قال فوجه إليه أحمد بن هشام من حوله إلى رحله • وكتب إلى عامله بفارس
37و
يرد ما أخذه منه واسترضاه • وهذا من شفقة المأمون ووفور عاطفته • سامحه الله تعالى • وكان مسلم بن نوفل سيد بني كنانة فضربه يوما رجل من قومه بسيفه فأخذوه وأتوا به إليه فقال لم فعلت هذا أما خشيت انتقامي • قال فلم سودناك علينا • إنما سودناك لتكظم الغيظ • ونغفوا عن الجاني • وتحلم عن الجاهل • وتحتمل المكروه في النفس والمال • فخلى سبيله فقال الشاعر • شعر • تسود أقوام وليسوا بسادة • بل السيد المعروف سلم بن نوفل • ومن أمثال العرب احلم تسد قال هشام لخاله بن صفوان صف لي الأحنف ابن قيس • قان إن شئت بثلاث وإن شئت باثنتين • وان شئت بواحدة • قال بثلث قال كان لا يخوض • ولا يجهل • ولا يدفع الحق إذا نزل به • قال باثنتين قال كان يؤثر الخير • ويتوقى الشر • قال بواحدة قال كان أعظم الناس سلطانا على نفسه • وقال الأحنف رحمه الله وجدت الحلم انصر لي من الرجال وهذا كلام حق • لأن الإنسان إذا استعمل الحلم قام بنصرته كل أحد وانتصف له • وضد الشفقة والرحمة ولين الجانب القسوة • والفظاظة • وقد مر أن الله سبحانه وتعالى فأوت بكمال قدرته بين بني آدم في هذه الأوصاف • وبها يعرف التفاوت بين الرجال • وكان تمرلنك المخذول من افظ الناس واشدهم قسوة على من خالفه وأغبى ملوك الدنيا وكذلك جنده وعساكره وحكاياتهم أكثر من أن تحصر • وأشهر من ان تذكر • حتى أن كف من وقع في أيديهم من الناس عجما أو عربا • حصل له من الشدة والنكال قصة لا تشبه قصة الآخر • فمن أعظم ذلك أنه لما فتك في أصفهان كان من قتل في دفعة واحدة صبوا ستمائة ألف نفس • ثم أن بعض الفقراء استعان ببعض أمراء تيمور فأمره أن يجمعوا شرذمة من الأطفال في مكان ويتركونهم يتصاغون فإذا رآهم تيمور ربما رق لهم ففعلوا ووضعوا على ممر تيمور جماعة كثيرة
37ظ
من الأطفال فلما ركب ومر بهم سأل عن أمرهم فقال له ذلك الأمير هؤلاء أمة مرحومون وطائفة أطفال محرومون • قد شمل الفناء أكابرهم • وعم غضب مولانا الأمير على والديهم وذويهم • وهؤلاء يسترحمون مولانا الأمير لصغرهم • ويتمهم وفقرهم وكسرهم • أن يبقى على من بقولهم • فما رد جوابا • ولا أبدى خطابا • ثم إنه مال بعنان فرسه عليهم وما العسكر معه فجعلوهم طعمة لسنابك الخيل ودقة تحت مواطئ الأرجل وكذلك فعل في بغداد وحلب وغيرها • وكان في عسكره شخص يدعى دولت تمور لم يخلق الله تعالى في قلبه من الخير ذرة • وكان راكبا معه ذات يوم فكان تمرلنك رأى واحدا من العسكر ينعس أو حمله مائل فقال ترى ما تم أحد يقطع رأس هذا الفاعل الصانع ففي الحال توجه دولة تمور إلى ذلك الرجل وقطع رأسه وأتى به إلى تمرلنك فقال ويلك ما هذا فقال رأس الذي أشرت أن تقطع فلم يكترث به بل أعجبه ذلك لكون أمره يمتثل بأدنى إشارة • ولما أخذوا حلب عنوة وقهرا وقتلوا فيها وسفكوا الدماء جمع بعض الناس جماعة من الأطفال في حانوت تحت القلعة فجعلوا يتصاغون ويبكون فمر بهم أمير من أمرائه فكان رق لهم ولم يجد شيئا يفيدهم به ولا ينقذهم مما هم فيه فأمر صبيانه وحاشيته فصعدوا الحانوت وهدوه عليهم فارتدموا تحته وقال إذا ماتوا استراحوا مما هم فيه هذا الشفوق الرحيم الذي في عساكر تيمور ذكر في جامع الحكايات عن بعض جلساء المأمون أنه قال حضرت يوما مجلس المأمون وقد حضر الطعام فقال المأمون للحاضرين ما الذ الأطعمة فقال كل منهم شيئا والمأمون ساكت فلما فرغوا قال المأمون أنا عندي أن ألذ الأطعمة الهريسة لا سيما وفيها قوة الدهن واللحم المضاف ذلك إلى قوة الحنطة مع أن رجلا قال لرجل أنا جائع فما آكل قال كل التراب فقال أفيه ودك يعني أن الودك إذا كان في شيء فإنه يمكن أكله فاستصوب الحاضرون ذلك وسلموا إليه فقال للمتوكل بأمر السماط اصنع
38و
لنا غدا هريسة فقال سمعا وطاعة • ثم قال لنا المأمون لا يتخلف غدا منكم أحد ليأكل من الهريسة فحضرنا اليوم الثاني فقال المأمون الأن تحضر الهريسة فلما جاء وقت السماط أحضروا جميع أنواع الأطعمة ولم تحضر الهريسة فحصل للمأمون بذلك خجل فسأل المتوكل عن ذلك فقال يا أمير المؤمنين نسيت والنسيان من عادة الإنسان ونسي قبلي من هو أجل قدرا مني وأعظم حظرا فقال ومن هو فقال آدم عليه الصلاة والسلام إذ قد أخبر الله عز وجل عنه بقوله ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي فقال المأمون إن كان آدم عليه السلام نسي فإنه جوزي بذلك بأن أخرج من الجنة ونحن أيضا نجازيك عن نسيانك بأن نعزلك عن هذه الوظيفة ولم يزده على ذلك ولم يقصد هذا القول إلا المداعبة وإعلام من حضر أنه لم يؤثر ذلك في حلمه وسعة صدره شيئا • وكان في الحاضرين أحمد بن هشام أحد أعيان المجلس وكان فظا غليظا فلما رأى أحمد المذكور أن المأمون لم يزد على هذا القول ولم يؤاخذ الطباخ بأكثر ما قاله له حصل له من الغيظ والحنق ما لا مزيد عليه وكاد قلبه يتفطر وصار يعض الأنامل من الغيظ فلما تصدع الحاضرون من المجلس جاء أحمد إلى منزله وأمر بإحضار طباخه فلما أحضر أمر به فنزعت ثيابه ثم جلده جلدا مبرحا إلى أن سكن ما به من الغضب والحنق فلما فرغ من ضربه قال له الطباخ يا مولانا الوزير أي كبيرة صدرت مني وبأي جريمة استوجبت هذا العقاب الأليم فقال لأن طباخ الخليفة نسي طبخ الهريسة وخالف أمر أمير المؤمنين ولم يجازه الخليفة بشيء فشق ذلك علي ولم أقدر على الانتصاف منه فانتقمت منك والجامع بينكما علة الطبخ واتحاد والوظيفة • وذكر هذه الحكاية من باب الحلم ثم قال في أخرها فانظر أيها المتأمل تفاوت ما بين خلقي أمير المؤمنين المأمون وأحمد الطوسي وهذه الحكاية تظهر لك سر قوله
38ظ
صفحة غير معروفة