تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي
الناشر
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى للطبعة الجديدة ١٤٢٠هـ
سنة النشر
٢٠٠٠م
تصانيف
مقدمات
مقدمة الطبعة الجديدة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة هذه الطبعة الجديدة:
الحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد؛ فقد سبق أن طُبِعَ هذا الكتاب بعد الطبعة الأولى مرات؛ بعضها شرعية، وكلها طبق الطبعة الأولى.
أما هذه الطبعة؛ فتتميز عن سابقاتها بأنها منقحة ومزيدة، وفيها فوائد عديدة، وتحقيقات جديدة؛ في التصحيح والتخريج، والاستفادة مما طُبِعَ أو صُوِّرَ حديثًا من الأصول الحديثية، من أهمها: "تاريخ دمشق الشام" للحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى، فقد نقلت منه بعض الفوائد العزيزة، التي يندر وجودها عند غيره.
1 / 3
ومن تلك الفوائد الرد على بعض الأحزاب والأشخاص من أهل البدع والأهواء الذين يردون الأحاديث الصحيحة؛ لمجرد مخالفتها لآرائهم الفاسدة؛ كالشيخ أحمد الغماري، وغيره.
ومنها التنبيه على وهمٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في تصحيحه لحديثٍ ضعيف إسناده! وعلى عزوه لحديثٍ آخر لـ "الصحيح"، وليس فيه! وغير ذلك من الفوائد التي ستمرُّ بالقراء -إن شاء الله تعالى.
أسأل الله تعالى أن ينفع بذلك -وبكل ما أكتب -إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يتقبَّل ذلك مني قبولًا حسنًا، ويدَّخر لي ثوابه ليوم الحشر؛ ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٨-٨٩]، إنه هو البَرُّ الرحيم الكريم، والحمد لله رب العالمين.
عمان ٧ ذي الحجة سنة ١٤٠٨هـ.
محمد ناصر الدين الألباني
أبو عبد الرحمن
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومَنْ والاه.
أما بعد؛ فهذه أحاديثٌ في فضائل الشام ودمشق، استخرجتها من كتاب الحافظ أبي الحسن الربعي "ت: ٤٤٤"، المسمى بـ "فضائل الشام ودمشق"، الذي قام بطبعه المجْمَع العلمي العربي بدمشق سنة "١٣٧٠هـ/ ١٩٥٠م"١، مع ملاحق له، أحدها في تخريج أحاديثه المرفوعة إلى النَّبِيِّ ﷺ، بقلمي وتحقيقي، وقد رأينا أن نجرد هذه الأحاديث من أصلها في رسالةٍ مع تخريجها المشار إليه، محذوفة الأسانيد تسهيلًا للاطلاع عليها، وتعميمًا
_________
١ بتحقيق الأستاذ/ صلاح الدين المُنجد.
1 / 5
للاستفادة منها، حتى يعلم الناس أن في فضل الشام أحاديث كثيرة صحيحة، خلافًا لظنِّ بعض الكُتَّاب، وحتى يعرف المستوطنون فيه فضل ما أنعم الله به عليهم، فيقوموا بشكره بالعمل الصالح، وإخلاص العبادة لوجهه ﷾، وإلّا فإن الأمر كما قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء ﵄.
"إن الأرض المُقدسة لا تقدس أحدًا، وإنما يُقدس الإنسان عمله".
رواه مالك في "الموطأ" "٢/ ٢٣٥".
نسأل الله تعالى أن ينفع بها المُسلمين، ويتقبلها منَّا قبولًا حسنًا، إنه سميع مُجيب.
دمشق ٣/ ٧/ ١٣٧٩م.
محمد ناصر الدين الألباني
1 / 6
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد؛ فقد رأينا أن نقدِّمَ بين يدي القراء -قبل الشروع في المقصود- كلمة حول الأخبار الواردة في كتاب "فضائل الشام"، زيادةً في الفائدة.
بلغت مجموع أخبار الكتاب "١١٩" خبرًا، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١- أحاديث مرفوعة إلى النَّبِيِّ ﷺ، وأكثرها صحيح، وبعضها ضعيف، وبعضها موضوع، ومجموعها مع المُكرر "٤١" حديثًا.
٢- أحاديث موقوفة على بعض الصحابة وغيرهم من
1 / 7
التابعين ومن دونهم، وجُلُّها لا تصحُّ أسانيدها؛ لأن مدارها على مجاهيل وضعفاء، ومجموعها "٤٧" حديثًا موقوفًا.
٣- إسرائيليات، وأكثرها يدور على كعب الأحبار، وكل الأسانيد إليه لا تصحُّ.
والباقي منها عن غيره، وفيهم ثلاثة من الصحابة: عبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي، وفي صحبة هذا خلاف، والأسانيد إلى غيرهم قد تبين لي ضعفها إلّا القليل منها، فإن القطع فيها صحةً أو ضعفًا متوقفٌ على مُراجعة تراجم بعض الرواة في "تاريخ ابن عساكر"، وذلك غير متيسر الآن، وإن كنت أشعر بضعفها أيضًا.
ومن غرائب ما في هذه الإسرائيليات، أن بعضها ينتهي إسناده إلى رجلٍ يونانيّ، انظر رقم "٤٠".
وقد كان بودي أن أتكلم عليها مفصلًا، ولكن المجال ضيق، فاكتفيت بالإشارة إلى ذلك.
وبعد هذا العرض الموجز أعود إلى تخريج الاحاديث المرفوعة، فأقول:
1 / 8
الحديث الأول:
عن زيد بن ثابت الأنصاري ﵁ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه سلم:
"يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام، يا طوبَى للشام١، قالوا: يا رسول الله! وبِمَ ذلك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام".
قلت: هو حديث صحيح، أخرجه الترمذي "٢/ ٣٣١، طبع بولاق"، وقال: "حديث حسن"، وزاد في بعض النسخ: "صحيح".
والفسوي في "التاريخ" "٢/ ٣٠١"، وابن حبان في "صحيحه" "٢٣١١، موارد الظمآن"، والحاكم في "المستدرك" "٢/ ٢٢٩"، وأحمد في "المسند" "٥/ ١٨٤"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" "١/ ١١٢-١١٥"، وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبيّ، وهو كما قالَا، وقال المنذري في "الترغيب" "٤/ ٦٣":
رواه ابن حبان في "صحيحه"، والطبراني بإسناد صحيح.
_________
١ في أكثر الروايات: "طوبى لأهل الشام".
1 / 9
الحديث الثاني:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
"ستنجدون أجنادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ، وجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا باليَمَنِ"، قال عبد الله: فقمت، قلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: "وعليكم بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِه، فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ قَدْ تكفَّل لِي بالشام وأهله".
قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث، يقول: وَمَنْ تكفَّل اللَّهُ بِهِ فَلا ضيعة عليه.
قلت: حديث صحيح جدًّا؛ فإن له أربعة طرق:
الأولى: طريق المُصنف، وهي من طريق مكحول، عن ابن حوالة، على خلافٍ عليه فيه.
أخرجه الحاكم "٤/ ٥١٠"، وأحمد "٥/ ٣٣"، وابن عساكر "١/ ٤٧-٥٦"، وقال الحاكم:
1 / 10
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.
والطريق الثاني: أخرجه أبو داود "١/ ٣٨٨"، وأحمد "٤/ ١١٠" من طريق أبي قتيلة، عن ابن حوالة. وإسناده صحيح.
والثالث: أخرجه أحمد أيضًا "٥/ ٢٨٨" من طريق سليمان بن شمير عنه.
والرابع: أخرجه الطحاوي في "مُشْكَل الآثار" "٢/ ٣٥"، عن جبير بن نفير عنه.
وله طريق خامس رواه المُصنّف، وسيأتي الكلام عليه في الحديث التاسع.
وله شواهد من حديث أبي الدرداء وغيره.
1 / 11
الحديث الثالث:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
"إني رأيت عمودَ الْكِتَابِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فنظرتُ فَإِذَا هُوَ نورٌ ساطعٌ عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا إِنَّ الإِيمَانَ -إِذَا وَقَعَتِ الفتن- بالشام".
حديث صحيح، أخرجه الفسوي "٢/ ٢٩٠-٢٩١ و٣٠٠ و٣١١ و٥٢٣"، والحاكم "٤/ ٥٠٩"، وأبو نعيم في "الحلية" "٥/ ٢٥٢"، وابن عساكر "١/ ٩٢-٩٨"، وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وقد وَهِمَا في قولهما: "إنه على شرطهما، وإنما هو صحيح فقط؛ لأن في السند يونس بن ميسرة بن حلبس، ولم يخرِّج له الشييخان شيئًا، وهو ثقة.
والحديث أورده الهيثمي في "المجمع" "١٠/ ٥٨"، وقال:
"رواه الطبراني" في "الكبير" و"الأوسط" بإسنادين،
1 / 12
وفي أحدهما ابن لهيعة، وهو حسن الحديث، وقد توبع على هذا، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وله عند ابن عساكر طريق أخرى، وحسنه.
وله شواهد من حديث عمرو بن العاص وأبي الدرداء.
رواهما أحمد "٤/ ١٩٨ و٥/ ١٩٨ و١٩٩"، وإسناده الثاني صحيح.
ومن حديث عبد الله بن عمر، وعبد الله بن حوالة عند المُصنِّف، وسيأتي الكلام عليهما، فانظر الحديث التاسع والعاشر.
1 / 13
الحديث الرابع:
عن أبي ذر ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
"الشام أرض المحشر والمنشر".
قلت: حديث صحيح، تفرَّدَ المُصنِّفُ بإخراجه من هذا الوجه، وهو ضعيف الإسناد جدًّا.
لكن أخرجه الإمام أحمد "٦/ ٢٥٧"، ومن طريقه ابن عساكر "١/ ١٦٤"، من وجهٍ آخر في حديثٍ لأبي ذر موقوفًا عليه، وفيه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أقره على ذلك، ولم ينكره عليه، فهو في حكم المرفوع، بَيْدَ أن إسناده ضعيف.
لكن له طريق أخرى في حديث آخر لأبي ذر، أخرجه ابن عساكر "١/ ١٦٣-١٦٤"، وقد صححه الحاكم "٤/ ٥٠٩" على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو في "صحيح الترغيب" "رقم ١١٦٢".
وله شاهد أخرجه أحمد "٦/ ٤٣٦"، وابن ماجه "١/ ٤٢٩ و٤٣٠"، من حديث ميمونة بنت سعد مولاة النَّبِيِّ ﷺ قالت: يا نبي الله! أَفْتِنَا في بيت المقدس؟ فقال:
"أرض المحشر والمنشر ... " الحديث.
1 / 14
وإسناده صحيح، كما قال الحافظ أحمد بن أبي بكر البوصيري في "زوائده"، وقوَّاه النووي في "المجموع"، وقد تكلمنا عليه مفصلًا في كتابنا "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب" في "المساجد".
تم تبيَّنَ لي أنه معلول، ولذلك نقلته من "صحيح أبي داود" إلى "ضعيفه" "٦٨".
وبالجملة؛ فالحديث بشاهده وطريقه الأخرى صحيح قويّ؛ لذلك نرى أن الأستاذ/ صلاح الدين المُنجد، قد أخطأ حين أورد الحديث في الأحاديث الموضوعة التي نَبَّه عليها في مقدمة الكتاب "ص١٠"١، وليس يسوغ له ذلك قوله في خاتمتها:
"ونحن في ترجيحنا أن هذه الأحاديث موضوعة، قد اعتمدنا على النقد الداخلي، أعني: نقد المتن في الحديث، ولو صحَّ سنده"؛ لأنه:
أولًا: ليس لهذا النقد الداخلي قواعد محررة، وضوابط مقررة، يمكن الاعتماد عليها، والرجوع
_________
١ كتاب "فضائل الشام ودمشق".
1 / 15
الاختلاف إليها، خلافًا للنقد الخارجي، أي: نقد السند، فقد وضع له علماؤنا ﵏ من القواعد والضوابط ما لا يمكن الزيادة عليه، كما تَجِدُ ذلك مفصلًا في كتب مصطلح علم الحديث، ومن أجمعها "قواعد التحديث" للشيخ جمال الدين القاسمي ﵀.
وثانيًا: أن الأستاذ لم يبيّن وجه كون الحديث موضوعًا متنًا حتى يمكن النظر في ذلك، ومجال الكلام في هذا البحث الخطير لا يتسع له هذا الملحق.
1 / 16
الحديث الخامس:
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أبيه ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:
"إِذَا هَلَكَ [أهلُ] الشَّامِ فَلا خيرَ فِي أُمتي، وَلا تزالُ طائفة من أُمتي على الحق يقاتلون الدجال".
قلت: هو بهذا اللفظ ضعيف؛ تفرَّدَ به المُصنِّفُ، وفي إسناده عِمْرَانُ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو هَارُونَ، قال الذهبي في "الميزان": "لا يُدْرَى من هو".
قُلت: ومن طريقه، أخرجه ابن عساكر "١/ ٢٥٤"، وأشار إلى جهالته.
والصحيح في لفظه ما أخرجه الطيالسي في "مُسنده" "ص١٤٥ رقم ١٠٧٦"، عن شعبة، عن معاوية به مرفوعًا:
"إِذَا فسدَ أهلُ الشامِ فَلا خيرَ فِيكُمْ، لا تزالُ طائفةٌ من أُمتي منصورين، لا يضرُّهم مَنْ خَذَلَهم حَتَّى تقومَ الساعةُ". وإسناده صحيح.
1 / 17
ومن طريقه، أخرجه الترمذي "٢/ ٣٠"، وقال: "حديث حسن صحيح".
وأخرجه أحمد "٣/ ٤٣٦ و٥/ ٣٥"، وروى ابن ماجه "١/ ٦-٧" الشطر الثاني، وابن حبان في "صحيحه" "٢٣١٣- موارد"، وأبو نعيم "٧/ ٢٣٠-٢٣١"، والخطيب "٨/ ٤١٧ و٤١٨ و١٠/ ١٨٢" الشطر الأول، والفسوي "٢/ ٢٩٥"، وابن عساكر "١/ ٢٩٢-٢٩٤"، وقال: "وتَفَرَّدَ به شعبة".
قلت: وهو ثقة حجة إمام.
وللشطر الثاني منه شواهد كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما عن جَمْعٍ من الصحابة، يأتي تسميتهم قريبًا.
1 / 18
الحديث السادس:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:$
"لن تَبْرَحَ هذه الأمةُ منصورين أينما توجهوا، لا يضرُّهم من خَذَلَهم من الناس حتى يأتي أمر الله، أكثرهم أهلُ الشام".
حديث صحيح دون قوله: "وأكثرهم أهل الشام"؛ فإن هذه الزيادة منكرة عندي، تَفَرَّدَ بها المصنف بهذا الإسناد، ورواه ابن عساكر أيضًا "١/ ٢٤٤-٢٤٥"، وفيه جبير بن عبيدة الحمصي، وهو راويه عن أبي هريرة، قال الذهبي في ترجمته: "لا يُدرى من ذا".
ولا يغتر بتوثيق ابن حبان إياه، فإن من عادته في كتابه "الثقات"، توثيق المجهولين عند الأئمة الأثبات، كما نبَّه على ذلك الحافظ في مقدمة "اللسان"، وابن عبد الهادي في "الصارم المنكيّ"، ثم بيَّنا ذلك في ردِّنَا على الشيخ الحبشيّ "ص١٩-٢١"، ثم في الطبعة الجديدة بـ "تمام المنة" "ص ٢٠-٢٥"، لكن ليس ذلك على إطلاقه كما يظنُّ كثيرٌ من
1 / 19
الباحثين، بل فيه تفصيل ذكرته في "تمام المنة" "ص ٢٠٤-٢٠٧"، طبعة المكتبة الإسلامية.
وقد روى هذا الحديث عن أبي هريرة عمير بن الأسود، وكثير بن مرة الحضرميّ، عند ابن ماجه "١/ ٧"، وأبو صالح عند أحمد "٢/ ٣٢١ و٣٤٠ و٣٧٩"، وليس في حديثهم تلك الزيادة.
وكذلك صحَّ الحديث عن عمر بن الخطاب، وثوبان، وعمران، وجابر بن سمرة، والمغيرة بن شعبة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، ومعاوية، وغيرهم، وقد ساق بعضها ابن عساكر "١/ ٢٤٩-٢٥٧"، وأحاديثهم مُخَرَّجَةٌ عندي١، وبعضها في "الصحيحين"، لكن في حديث معاوية عندهما عن معاذ بن جبل أنه قال: "وهم بالشام".
ويشهد له ما رواه مُسلم وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا:
_________
١ انظر تخريجها في كتابي "سلسلة الأحاديث الصحيحة" "برقم ٢٧٠ و١٩٥٦".
1 / 20
"لا يزال أهلُ الغربِ ظاهرين على الحقِّ حتى تقوم الساعةُ" على اعتبار أن أهل الغرب هم أهل الشام، كما قال الإمام أحمد، وأيَّدَه شيخ الإسلام ابن تيمية في "فضل الشام وأهله"١ من وجهين:
الأول: ورود ذلك صراحةً في بعض الأحاديث.
الثاني: أن لغته ﷺ وأهل مدينته في أهل الغرب؛ أنهم أهل الشام، فراجعه فإنه مهم، ومفيد جدًّا، ولعل من نفى ذلك من المعاصرين، وذهب إلى أن المُراد بذلك "المغاربة" الذين يسكنون شمال غرب "أفريقية"؛ لم يقف على لغته ﷺ المذكورة.
وقد روي الحديث عن أبي هريرة من وجهين آخرين بزيادة أخرى قريبة من هذه في المعنى، ولا تصحُّ أيضًا، كما سيأتي في الحديث السابع والعشرين، والتاسع والعشرين.
_________
١ انظر رسالته الملحقة بـ "منادمة الأطلال" "ص ٤٢٧".
1 / 21
الحديث السابع:
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
"أهْلُ الشام وأزواجهم وذريَّاتُهم وعبيدُهم وإماؤُهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون١ في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط، ومن احتلّ منها ثغرًا من الثغور فهو في جهادٍ".
قلت: حديث ضعيف؛ لأن راويه عن أبي الدرداء لم يُسَمَّ، فهو مجهول، ومن طريقه رواه الطبراني كما في "المجمع" "١٠/ ٦٠"، وابن عساكر "١/ ١٦٩"، وقال:
"وقد روي بإسناد آخر أمثل من هذا؛ إلّا أنه غريب".
قلت: ثم ساقه بنحوه، وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف.
_________
١ في الأصل: "مُرابطين"، وما ذكرناه من "مجمع الزوائد"، وهو الذي يوافق اللغة.
1 / 22