والثالث: أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (( وبما أفضلت السباع )) ولم يرو أن السباع كانت لحومها مأكولة، ثم حرمت، فسقط تأويلهم.
وقد استدل أصحاب أبي حنيفة لنجاسة سؤر السباع بما رويناه عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل، عن الماء وما ينوبه من السباع، قال: (( إذا بلغ الماء قلتين فليس يحمل الخبث ))، وهذا من العجب فإن هذا الحديث لما استدل به من أوجب التحديد بقلتين ردوه، وقالوا: إنه مضطرب السند والمتن، وذلك يدل على أنه غير مضبوط، وتكلموا عليه كلاما طويلا، فكيف جاز لهم أن يستدلوا به لتنجيس سؤر السباع؟ على أن السائل سأل عن الماء الذي تنوبه السباع، والظاهر من حال الماء الذي هذه سبيله أن السباع تبول فيه وتروث، وذلك ينجس الماء لا محالة، وليس فيه ذكر السؤر، ولا قصر السؤال عليه، بل لم يذكره السائل بوجه.
فإن قيل: ليس في الحديث أن السباع تبول فيه وتروث، بل فيه أنها تنوب، والتنجيس يتعلق بذلك القدر.
قيل له: نحن إذا بينا احتمال ما قلنا، كفانا في تأويل الحديث؛ إذ ليس على المتأول أكثر من ذلك، ونرجع إلى الحديث الذي روي عن جابر أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( وبما أفضلت السباع ))، وإلى ما رويناه في الهر.
مع ما أخبرنا به أبو الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن اليمان، قال: حدثنا محمد بن شجاع، قال: أخبرنا أبو أسامه، عن عيسى بن المسيب، عن أبي زرعه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الهر سبع )).
صفحة ٣٢