كانت قد أعدت الطعام لأطفال صديقتها، وأفرغته في الصحون، عندما جاءتها زبونة تطلب تعديلا عاجلا في ثوب زفاف. وكان الزفاف مقررا في اليوم التالي. فتركت الأطفال يأكلون حول النار ومضت إلى كوخها. وبعد ساعة، كان أطفالها قد خلدوا للنوم، فقررت أن تمضي إلى فناء جارتها لتطمئن على الأمور. ولجت كوخ الأطفال ورأت أنهم التجئوا إلى فراشهم واستغرقوا في النوم، بينما تبعثرت صحون العشاء حول النار دون غسيل. وكان الكوخ الآخر الخاص ببول وكيناليبي غارقا في الظلام. معنى هذ أن بول لم يعد بعد من زيارة المساء المعتادة لزوجته. فجمعت الصحون وغسلتها، ثم صبت مياه الغسيل القذرة فوق رماد النار المتوهج في الفناء. وكومت الصحون بعضها فوق بعض وحملتها إلى الكوخ الثالث الإضافي الذي يقوم بدور المطبخ. وفي تلك اللحظة ولج بول ثيبولو الفناء، ولمح ضوءا وحركة في كوخ المطبخ، فمضى إليه وتوقف في مدخله المفتوح.
خاطبها في ود باسم ابنها الأكبر باناثوبي، كما جرت العادة: «ماذا تفعلين الآن يا أم باناثوبي؟»
أجابته ديكاليدي في سعادة: «أنا أعرف جيدا ما أنا فاعلة.» واستدارت نحوه لتقول إنه ليس من الصواب ترك الصحون الوسخة حتى الصباح، لكنها فغرت فمها مدهوشة. فقد طالعتها في عينيه بحيرتين صافيتين من الضوء السائل، ومر بينهما شيء بالغ الحلاوة، فائق الجمال، كأنه الحب.
قال برقة: «أنت امرأة طيبة يا أم باناثوبي.»
كانت تلك هي الحقيقة. وقدمت الهدية ككتلة من الذهب. لا يستطيع تقديم هدايا كهذه سوى رجال من طراز بول ثيبولو. أخذت الهدية وأودعت قلبها كنزا جديدا. ثم أحنت ركبتيها بالتحية التقليدية وابتعدت في هدوء نحو منزلها. •••
انقضت ثماني سنوات على ديكيليدي في إيقاع هادئ من العمل، والصداقة التي ربطتها بأسرة ثيبولو. وانفرجت أزمة ابنها الأكبر باناثوبي. فقد كان يواجه امتحان الشهادة الابتدائية في نهاية العام. وبتأثير هذا الحدث الهام، أفاق الصبي لنفسه، بعد أن كان، مثل بقية الصبية، مغرما باللعب. فأحضر كتبه إلى المنزل وقال لأمه إنه يرغب في استذكار دروسه بالأماسي، ويريد أن ينجح بدرجة «أ» ليسرها. حكت ديكيليدي القصة لجارتها في انفعال وزهو.
قالت: «باناثوبي يقرأ دروسه كل مساء الآن. ولم يكن يهتم بها من قبل. لقد ابتهجت كثيرا بمسلكه فابتعت له مصباحا إضافيا، ونقلته من كوخ الأطفال إلى كوخي حيث يمكنه أن يستمتع بشيء من الهدوء. ونحن نسهر كل ليلة حتى ساعة متأخرة: أنا أحيك الأزرار وذيول الفساتين، وهو يستذكر.»
كما أنها افتتحت لنفسها حسابا ادخاريا في مكتب البريد ليتوفر لديها المال الكافي للإنفاق على تعليمه الثانوي. فمصاريفه عالية بعض الشيء: 85 روبية. ورغم كل ما ادخرته، وجدت في نهاية العام، أنها تحتاج عشرين روبية إضافية لاستكمال المبلغ. وعندما أعلنت النتائج في عطلة الكريسماس، نجح باناثوبي بدرجة «أ». فانتاب أمه فرح هستيري. لكن ما العمل؟ كان الابنان الآخران، اللذان يصغرانه سنا، قد بدآ المرحلة الابتدائية، ووجدت أنها عاجزة عن تدبير مصاريف الثلاثة من مدخراتها، فقررت أن تذكر جاريسيجو موكوبي بأبوته للأولاد.
لم تكن قد رأته في الثماني سنوات، إلا كما ترى أحد المارة في طرقات القرية. وكان يلوح لها أحيانا، لكنه لم يتحدث إليها أبدا أو يستفسر عن حياتها أو عن أطفالهما. فلم يكن شيء من هذا يعنيه. كانت تمثل له شكلا دنيئا من أشكال الحياة الإنسانية. وإذا بهذا الشيء البغيض يظهر أمام مكتبه ذات يوم، بينما كان في طريقه لتناول طعام الغداء. كانت قد سمعت من ثرثرة القرية أنه استقر أخيرا مع امرأة متزوجة ذات أطفال، بعد أن طرد زوجها في واقعة مثيرة من الوقائع المألوفة في القرية تخللها العراك والسباب. والغالب أن الزوج لم يعبأ بما حدث، إذ توجد دائما سواعد مفتوحة لأي رجل، طالما أنه يبدو كذلك. أما ما اجتذب جاريسيجو إلى هذه المرأة بالذات، فهو طبقا لما ذكره عشاقها السابقون ضاحكين، أنها مولعة بأشكال الجماع العنيفة مثل العض والخمش.
غادر جاريسيجو موكوبي مكتبه، ونظر في ضيق إلى هذا الشبح من ماضيه، زوجته. أدرك أنها تريد أن تتحدث إليه، فمشى نحوها وهو يتطلع إلى ساعته طول الوقت. وكان قد صار له، مثل كافة «الرجال الناجحين» كرش ضخم، وعينان محتقنتان، ووجه منتفخ، تحف به رائحة مختلطة من بيرة الليلة الماضية وجنسها.
صفحة غير معروفة