قالت كيناليبي في سعادة: «أجل. إنه رجل أمين.» كانت تعرف القليل عن بلاوي ديكيليدي فسألتها: «لماذا تزوجت رجلا مثل جاريسيجو؟ لقد تأملته جيدا عندما عينته لي في ذلك اليوم ، وتبينت من الوهلة الأولى أنه من هواة الملذات.»
أجابت ديكيليدي: «أظن أني كنت أريد الخروج من فناء عمي، فلم أحبه أبدا. فبرغم ثرائه كان قاسيا، شديد الأنانية. كنت مجرد خادمة لديه، وكان يسيء معاملتي. التحقت به في السادسة من عمري، عندما ماتت أمي، ولم أكن سعيدة عنده. وكان أطفاله يزدرونني لأني كنت خادمتهم. ودفع عمي نفقات تعليمي طوال ست سنوات، ثم طالبني بترك الدراسة. وكنت أود الاستمرار، لأن التعليم، كما تعرفين، يفتح أبواب العالم أمام الواحدة. وكان جاريسيجو صديقا لعمي، والوحيد الذي تقدم إلي. وناقش الاثنان الأمر فيما بينهما ثم قال لي عمي: «الأفضل لك أن تتزوجي من جاريسيجو؛ لأن وجودك هنا أصبح مثل السلسلة حول رقبتي.» فوافقت كي أبتعد عن هذا الرجل الفظيع. وقال جاريسيجو ساعتها إنه يفضل الزواج من واحدة مثلي على الاقتران بمتعلمة؛ لأن المتعلمات يتميزن بالغباء، ويرغبن في السيطرة على الرجل. والحق أني لم أرفع صوتي بالاحتجاج أبدا عندما بدأ يلعب بذيله. أنت تعرفين ما تفعله الأخريات. فهن يطاردن رجالهن من كوخ إلى آخر، ويضربن العشيقات. والنتيجة؟ أن ينتقل الرجل إلى كوخ جديد. وبذلك لا تكسب الواحدة شيئا. وما كنت لأسلك هكذا. فيكفيني أن لدي أطفالا. إنهم نعمة وبركة.»
قالت صديقتها وهي تهز رأسها في تعاطف: «كفاية. لا أفهم الطريقة التي توزع بها الحياة عطاياها. البعض يحصلون على الكثير جدا، والآخرون لا ينالون شيئا على الإطلاق. لقد كنت دائما محظوظة. يوما ما سيزورني أبواي، اللذان يعيشان في الجنوب، وسترين كيف يهتمان بشأني. وهو ما يفعله بول. إذ يعنى بكل شيء فلا يساورني القلق، ولا أنشغل بهم.»
اجتذب الرجل، بول، كثيرا من الأصدقاء مثل زوجته. وكان الاثنان يستقبلان الضيوف كل مساء، رجالا أميين يريدون منه أن يدون لهم بيانات الضرائب أو يكتب لهم الرسائل، أو رفاقا راغبين في مناقشة القضايا السياسية، فمنذ الاستقلال أصبح ثمة جديد كل يوم. وكانت المرأتان تستمعان لهذه المناقشات بآذان مسحورة، لكنهما لم تشتركا فيها أبدا. وإنما كانتا تلوكان المناقشات في حكمة وجدية . فتقول كيناليبي: «عقول الرجال غريبة: فهي تطوف بعيدا وبجرأة. إنني أرتعد عندما أسمعهم ينتقدون حكومتنا الجديدة بحرية. هل سمعت ما قاله بطرس بالأمس؟ قال إنه يعرف كل أولاد الزنا هؤلاء، وإنهم ليسوا سوى حفنة من اللصوص المحتالين ! ارتعدت كثيرا عندما سمعت ما قاله. فالطريقة التي يتحدثون بها عن الحكومة تشعرك في عظامك بأن هذا العالم ليس آمنا، ليس مثل الأيام القديمة عندما لم تكن لدينا حكومات. وقال لينتسوي إن عشرة بالمائة من السكان في إنجلترا يتحكمون في ثروة البلاد بينما يعيش الباقون تحت حد الجوع. وقال إن الشيوعية ستحل كل هذه المشاكل. وفهمت من الطريقة التي ناقشوا بها هذه النقطة أن حكومتنا لا تحبذ الشيوعية. وارتجفت كثيرا عندما اتضح لي ذلك.» وصمتت برهة ثم ضحكت في زهو: «لقد سمعت بول يكرر عدة مرات أن البريطانيين لم يحكمونا سوى ثمانين سنة. ولا أدري لماذا هو مغرم بترديد هذه العبارة؟»
هكذا انفتح عالم جديد تماما أمام ديكيليدي. بدا لها عالما شديد الثراء، يفيض بالسعادة، فانغمست فيه يوما بعد يوم، متغاضية عن جدب حياتها الخاصة. لكن هذا الأمر ظل مثل الصداع المزمن في رأس صديقتها كيناليبي.
قالت لها ذات يوم مستحثة: «يجب أن تجدي رجلا آخر. فليس من صالح المرأة أن تعيش بمفردها.»
فأجابتها ديكيليدي التي لم تعد تستسلم للأوهام: «ومن يكون؟ لن يتمخض عن ذلك سوى المتاعب لي ولأولادي، بينما كل شيء الآن على ما يرام. فابني الأكبر يذهب إلى المدرسة وأنا قادرة على تسديد نفقاتها. هذا هو في الحقيقة كل ما يعنيني.»
قالت كيناليبي: «أقصد أننا جئنا لهذا العالم لنمارس الحب ونستمتع به.»
أجابت الأخرى: «أوه. لم أعبأ أبدا بهذا الأمر. فعندما تجربين أسوأ ما فيه، تفقدين الرغبة كلية.»
اتسعت حدقتا كيناليبي: «ماذا تعنين بذلك؟» - «أعني أن الأمر لم يكن أكثر من قفزة! وكنت دائما أتساءل عن مغزاه وجدواه. وصرت أنفر منه.»
صفحة غير معروفة