لست بآسفة. ما زلت أحتفظ بذكرى شيء حسن لكنه لم يكتمل. آمل أن يتصل بي. لن يفعل. بل إن الأمل في هاتف منه غاض. وأصبحت أعزي نفسي بأن هناك أياما يحتاجني فيها، لكنه لا يملك شيئا حيال ذلك.
أصنع كعكا. كعك ماديرا وحساء باردا. أظن أني حامل. أميل إلى هذا الظن رغم ما يتوفر من أدلة على العكس. عاد جيريمي من المدرسة. قلت: «لدينا كعك بيتي.» وقال: «مذاقه بشع.» خاب أملي فيه؛ لأنه لم يحب الكعك ثم خاب أملي في نفسي؛ لأني عولت على هذه السخافة: أن يحسن الكعك من صورتي في عيني ابني. لديه حسن الإدراك أكثر مما لدي. يريدني سعيدة، ولا يعبأ أبدا بالكعك البيتي أو الملاءات النظيفة، فهو يريد أن يبقى في عالمه الخيالي الخاص. يريد أخا. يا إلهي، إذا كنت حاملا فلا بد من اختبار دم.
قرأت مرة أن سقوط كافة الرجال العظماء، والزعماء، والرجال الصغار، الذين سقطوا، كان جزءا من شخصياتهم. أنا أومن بذلك، كما يؤمن المرء عندما يثبت لنفسه شيئا. ليلة أمس بعد أن أطفأنا النور شرعت بالبكاء وقال «أ»: «هذا البكاء أصبح عادة لديك.» قلت: «لقد انتهى الأمر تقريبا.» قال: «ماذا؟» وأخبرته. رويت له الأمر مباشرة. قال: «لقد حدست.» قلت: «لماذا لم تسألني؟» قال: «لم أكن أود أن أعرفه.» أدركت عندئذ أني ما كان يجب أن أخبره، وأني بذلك ضاعفت من سوء الموقف. فقد حقرته. قال: «آمل ألا ألتقي به أبدا.» قلت: «لماذا؟» (أسئلتي بلهاء). قال: «لأسباب واضحة.» شهقت وعندئذ غادر الفراش وأضاء النور وتناول الكتب من فوق المنضدة المجاورة للفراش، وأخذ أيضا زجاجة الأسبيرين، وغادر الحجرة. وتبعته بملاءة. قدمتها إليه في غرفة الضيوف. حاولت أن أعتذر فقال: «لا تفعلي!» كنت أعرف أن أفضل شيء هو أن أغادر الغرفة وأتركه بمفرده وأترك الأمر يصلح نفسه بنفسه، لكني لم أستطع. ظللت واقفة أردد: آسفة، آسفة، رغم أني أعرف حماقة ذلك. لم أتمكن من الحركة. هذا الشلل، هذا الفشل لإرادتي في أن تحرك جسدي، أرعبني. ألقى بالملاءة خلفي .. فاستقرت على الأرض في كومة. لم أستطع جذبها معي. بالكاد قدرت أن أحمل نفسي. تساءلت ما إذا كان سيقتلني.
لم يفعل. ما زال في حجرة الضيوف. أعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام في هذا الوقت من السنة المقبلة. اتصلت بواحدة تعرف «ب» وزوجته وسألتها: «هل ترينهما؟» قالت: «إنهما لا يقابلان أحدا، خوفا من أن يفقد أحدهما الآخر.» خطر لي أنه من المستحيل أن أكون قد عرفته ذات يوم، وأن أحدا لا يعرف أني عرفته، وأحببته، وتلقيت حبه. إنه سر سيأتي وقت - وسوف يأتي هذا الوقت - يتلاشى في عالم الأحلام. مثل أبطال فيلم «العام الماضي في مارينباد» لم أعد واثقة إذا كان شيء قد حدث فعلا، أو هو شيء قلت لنفسي إنه حدث كوسيلة لقضاء الوقت. ليس لدي شيء يخصه، لا ذكرى، ولا حتى إحدى رواياته تحمل توقيعه. أملك بالطبع التواء جسده فوق جسدي. لو كانت الأجساد كالأحجار، أو الخشب، أو أواني السكر الفضية، لاحتفظ جسدي بكل علامات جسده، لكان جسدي مثل سطح مائدة، يحمل ويحتفظ بالدليل على كل ما جرى له.
عدم المعرفة هو أسوأ ما في الأمر. لو أرسل ورقة أو برقية، أو أي شيء بكلمة واحدة: «انتهينا.» لتحملت الأمر، لكني ما زلت أتعلق، مثل قطعة من صحيفة مبتلة متشبثة بسياج. التعلق بالأمل هو الذي يحطمني . لو أمكنني أن أكف.
كونه كاتبا هو بالتأكيد ما دفعه لصحبتي. إنهم يمتصون الآخرين، ثم يضعونهم على الورق ويقضون عليهم بذلك قضاء مبرما.
مرة واحدة فقط سألني عن «أ». وقلت: «إنه وحيد لا أصدقاء له.» ما كان يجدر بي أن أقول ذلك.
كم أنا كئيبة!
جرحت نفسي على حافة علبة كمثرى من الصفيح، وتركت الجرح يتعفن، وبذلك رفعت من شأن نفسي في عيون أسرتي، وحقرت من نفسي في عيني.
كم أنا كئيبة!
صفحة غير معروفة