قالت: «إنه مشهد جميل من هنا. لكني أحيانا أسمع موسيقى المقاهي طول الليل.» «وهل يمنعك هذا من النوم؟» سألتها في أدب، شاعرة أن هناك شيئا غير طبيعي في الطريقة المتصلبة التي أخاطبها بها، أنا التي أمقت أسلوب «الآنسات الحاصلات على تربية جيدة» اللاتي أرغمت على مخالطتهن. لكنها لم تشجعني على مخاطبتها بطريقة غيرها.
كانت قد جلست فوق الفراش. ولم تلبث أن تخلصت من خفها واستلقت بين الملاءات. شعرت بأني مثار سخرية وأنا واقفة أمامها، مثقلة بسترتي وحافظة كتبي، فقد كنت قادمة لتوي من المدرسة، واندفعت الدماء إلى وجهي من الغضب. كانت هي، عمليا، التي أمرتني بالمجيء، وها أنا واقفة أمامها كأني غير مرغوبة. شعرت أنها تستمتع بحرجي. أدركت ما يجب عمله: أن أنصرف، وأعود إلى منزلي، وأتجاهل احتجاجاتها. لكني لم أكن واثقة أنها ستحتج، وهذا هو، للغرابة، ما كبح جماحي. وأخيرا تكلمت.
قالت بهدوء، كأنما وصلت لتوي : «ضعي حافظتك إلى جوار الحائط واخلعي سترتك. ضعيها فوق المقعد. هذا حسن. والآن تعالي واجلسي هنا بجواري.»
عندما جلست فوق الفراش، تفحصتني بتعبير لم أره على وجهها من قبل، أقرب إلى الرقة.
قالت: «عليك أن تقرري الآن يا حبيبتي ألا تحملي أية ضغينة إزائي.» فوجئت بالنغمة الحميمة التي لجأت إليها، كأنما هي عادة قديمة لديها: «أنا لست دائما مرحة. لأسباب كثيرة. على أية حال، ليس الأمر بذي أهمية، ولا تستطيعين شيئا إزاءه. كل ما عليك هو أن تأخذي الأمور ببساطة كما هي، ولا تزعجي نفسك بشأن أي شيء.»
صعقت من أسلوب حديثها، كما لو كنت قد أعلنت للتو أني سأقضي بقية حياتي معها.
قالت بلطف: «خبريني بما كنت تفكرين فيه بالأمس.»
رغم سلوكها المربك، شعرت أني أستطيع الثقة بها. هكذا حاولت أن أشرح لها كل شيء: كيف أشعر أحيانا بأني شخصان، أو أن جزءا مني يتلاشى تماما في بعض الأحيان، وعن ذلك البيت في قصيدة فيدرا الذي يلح علي دائما، والذي تتمنى فيه أن تهبط مع هيبوليت إلى المتاهة.
قاطعتني بعد لحظات: «يا طفلتي العزيزة! لك خيال خصب. خصب للغاية!»
قلت محتجة: «أنا لست طفلة، كما أنك لست كبيرة جدا أيضا.» - «أنا في الخامسة والثلاثين.» - «أوه!» لم أجد ما أقوله ردا على هذا التصريح الذي أدهشني. لكني بعد أن تفحصتها بإمعان، تبينت الخطوط الخفيفة في أركان عينيها ووجنتيها البضاوين، والحلقات السوداء حول عينيها. وما كان بوسع أي ملاطفة أن تترك في أثرا قدر الذي تركته علامات الجمال الزائل هذه. - «خمس وثلاثون سنة. إنها لا تعني لك شيئا. لكنها تعني لي الكثير. كل ما تركته ينساب من بين أصابعي: الزواج، الثروة، حب حقيقي. خمس وثلاثون. ولم أستسلم بعد. ليس تماما. فها أنا ذا يا عزيزتي، أسيرة هذه البلدة الصغيرة. على أية حال، أنا انطلقت من بلدة صغيرة مثل هذه، بل أصغر منها. وهناك كنت أعيش في كوخ، أسوأ من هذا الماخور القديم الذي أعيش فيه الآن.»
صفحة غير معروفة