جمال الرحمة أن تكون خيارا لا اضطرارا، فهي كماء السماء ينهمل بالخير، ويهطل باليمن عفوا ممن وهب، وبركة لمن كسب. فإذا كانت الرحمة عفوا صادرا عن مقدرة فهنالك بهاء قدرتها، وازدهار جلالها. أما تراها إذا تحلى بها الملك القائم كانت لهامته أزين من التاج، وفي يده أرقى من صولجان الأمر والنهي، وكان عرشها المنصوص في قلبه أعظم تمكينا له من عرشه الذي يستوي عليه لأنها من صفات الله عز وجل، ولا يكون السلطان الدنيوي أقرب شبها إلى السلطان العلوي منه إذ يلطف العدل بالرحمة، فيا أيها اليهودي، مهما يكن من استنادك في دعواك إلى العدل، فلا تنس أن الله لو عامل كلا منا بمحض العدل لما بات إنسان على أدنى رجاء بالمغفرة والنجاة. لهذا نستغفر الله كل يوم في أدعيتنا. وكما نستميحه العفو يجب علينا أن نكون من العافين عن الناس. وإنما خاطبتك هذا الخطاب لأنبهك إلى ما في طلبك من التغالي، بل الإغراق في التقاضي؛ فإن لبثت على إصرارك مع هذا فلا يسع المحكمة إلا الامتثال لما يوجبه القانون من عقوبة هذا التاجر.
شيلوك :
لتقع تبعة أعمالي على رأسي. أتشبث بالقانون، وألح في إنفاذ شرطي.
برسيا :
أليس في طاقته أن يوفي الدين؟!
باسانيو :
بلى في طاقته، وأنا مستعد لأدائه في الحضرة، بل لأداء مثيله، فإن لم يكتف تعهدت بعشرة أمثال المطلوب تعهدا أفادي عليه بساعدي، ورأسي، وقلبي. فإن لم يكتف تبين إذن أن العوج يدول من الاستقامة، أو أن الرذيلة ترهق الفضيلة، فإليكم أضرع بإلحاف أن تلطفوا بسلطانكم قدرته على الإساءة، متوسلين بأدنى الضير، للوصول إلى أسنى الخير، كابحين بتأييد من الله الرحيم جماح هذا الشيطان الرجيم.
برسيا :
هذا ما لا ينبغي كونه. وما من قوة في البندقية تستطيع تشذيب القانون النافذ. فلو فعل ذلك لأعقبه ما لا يحصى من ضروب التجاوز قياسا على هذا التجاوز الأول.
شيلوك :
صفحة غير معروفة