إليك ما يقوله حين يستعين به صاحبه على اقتراض المال الذي به يقترب إلى مالكة لبه، ويتوصل إلى مطمح نظره ومطمع قلبه:
أنطونيو :
ما كان أغناك - على علمك بي - عن إضاعة الوقت في الاحتيال للاستعانة بمودتي. إنك بارتيابك في خلوصي لك لتسوءني أكثر مما لو أضعت علي ثروتي بأسرها. قل ما ترجوه منى فيما تعرفني قادرا عليه فقد أجبت. تكلم.
ثم إليك ما يقوله أنطونيو حين يشترط اليهودي إقرارا منه بأنه إذا لم يف بالدين المطلوب في يوم كذا أوجب لليهودي عليه اقتطاع رطل من لحمه في المكان الذي يختاره من جسمه، فقد كان أول جوابه هذه الكلمات التي هي من أكبر ما قيل في التفدية للصديق بالنفس والنفيس: «أوافق بارتياح على هذا الشرط.»
ثم إليك ما يقوله اليك أنطونيو مودعا، وقد وقف من الموت قيد خطوة، وبقي له من العمر فسحة دقيقة أو ثانية لا يحسب لها ثانية، ويموت عندئذ من أجل صديقه أبشع الميتات وأشدها إيلاما للتصور، فضلا عن الجثمان الحي، سامعا ورائيا، شحذ المدية على نعل اليهودي الذي يتأهب لقتله:
أنطونيو :
شيء غير كثير. أنا متأهب وصابر. هات يدك يا باسانيو وتلق وداعي. لا يحزنك أن صرت هذا المصير من أجلك، فإن المقادير رفقت بي رفقا ليس من مألوفها في مثل مصابي. فمن مألوفها أن تبقي من فقد جاهه حيا غائر العينين مثقل الجبين بالغضون، يتوقع شيخوخة البؤس والفاقة. أما أنا فإنها أنقذتني من هذا العذاب الطويل، وغاية ما أرجو أن تذكرني بخير لدى عروسك المشرفة، وتخبرها كيف كانت نهاية أنطونيو وتصف مبلغ حبي لك، وتبثها بثك مما ألم بك حين شهدت ميتتي، فإذا فرغت من ذلك، أن تسالها «ألم يكن لي صديق؟» ثم أن لا تعاتب نفسك على وفاة ذلك الصديق فإنه هو غير آسف على إبرائك من دينك مع علمه أن مدية اليهودي لو انحرفت أو تمادت قليلا لذهبت بالقلب كله فداء لك.
فإذا انتقلنا إلى تمثيل الجمال أصلح ما يكون لتزدان به الزوج الصالحة وأبهج ما يكون رسما حسيا للكمال، فهل يتهيأ لنا ملك في شكل بورسيا وهي تقول لعاشقها الذي وفق فصار زوجا لها:
بورسيا :
أيها الهمام باسانيو، هأنذا لديك كما أنا، ولولا أمر جددته في نفسي لاجتزأت بالنعم التي منحتها ولم أستزد. ولكني غدوت متمنية من أجلك لو رجحت ستين مرة على ما أعدل اليوم، ولو كنت ألف مرة أجمل، وعشرة آلاف مرة أعظم جاها، فتكبر حظوتي في عينيك، ولو كان لي من الفضائل والمحاسن والأموال والأصحاب أعداد لا تنفد. ألا إنني - ولا فخر - غير خالية من شيء يقدر بقدر، فإنما أمامك فتاة معتصر نقية غرة تعد من لطف العناية بها كونها لم تزل لدنة صالحة للتقويم، ومن سعد طالعها أنها ليست من الجهل بحيث تستعصي على التعليم، ومن تمام نعمائها أن عقلها طبع يدعوها إلى إلقاء زمامها عن رضى بين يديك والإقرار عن خضوع بأنك سيدها وأميرها ومليكها. فأنا وكل مالي قد أصبحنا لك اليوم. كان قبلا هذا القصر المشيد قصري، وكنت مولاة خدمي وحشمي، وكان بيدي قياد نفسي. أما الآن فالدار والتبع والمتبوعة في تصريف بنانك يا ولي أمري.
صفحة غير معروفة