مقدمة المؤلف بخط يده
1 - استغراق لحظة
2 - إن أكثر الجد هزل
3 - التعصب يخرج الحرية من ديارها
4 - الأحرار وأعداؤهم
5 - بعد الموت
6 - نعم الجدود ولكن بئس من تركوا
7 - كيف يموت الأدباء في الشرق
8 - ويل للناس من الناس
9 - إحدى عواصف الضمير
صفحة غير معروفة
10 - التكبر وحداثة النعمة
11 - بين الوحشين الأب والزوج
12 - ما أكثر خطوبك يا فروق!
13 - لعل النهضة الثانية أثبت من الأولى1
14 - كم تحت هذه السماء من أعين باكية!
15 - ما يمنع القلوب أن تطير من الصدور؟
16 - عبد الحميد مبكيا بعد سقوطه
17 - بين أنقاض الوطن
إلى حضرات القراء
مقدمة المؤلف بخط يده
صفحة غير معروفة
1 - استغراق لحظة
2 - إن أكثر الجد هزل
3 - التعصب يخرج الحرية من ديارها
4 - الأحرار وأعداؤهم
5 - بعد الموت
6 - نعم الجدود ولكن بئس من تركوا
7 - كيف يموت الأدباء في الشرق
8 - ويل للناس من الناس
9 - إحدى عواصف الضمير
10 - التكبر وحداثة النعمة
صفحة غير معروفة
11 - بين الوحشين الأب والزوج
12 - ما أكثر خطوبك يا فروق!
13 - لعل النهضة الثانية أثبت من الأولى1
14 - كم تحت هذه السماء من أعين باكية!
15 - ما يمنع القلوب أن تطير من الصدور؟
16 - عبد الحميد مبكيا بعد سقوطه
17 - بين أنقاض الوطن
إلى حضرات القراء
التجاريب
التجاريب
صفحة غير معروفة
وهي مجموعة مقالات اجتماعية
تأليف
ولي الدين يكن
مقدمة المؤلف بخط يده
ما كان أهنأني وأسعدني
لو كان ينفع معشري قلمي
أنا لي فؤاد لا أنزهه
لكن يراقب ما يقول فمي
ولي الدين يكن
الفصل الأول
صفحة غير معروفة
استغراق لحظة
بين صدق النهى وكذب الأماني
وقف الرأي والهوى ينظران
للهوى جرأة وللرأي حكم
والبرايا لديهما شيعتان
يا نفوسا جنى الشباب عليها
قضي الأمر واستراح الجاني
لست ألحاك في زمان غرور
فلقد مر في الغرور زماني
والخيال الذي صبوت إليه
صفحة غير معروفة
قبل عشرين حجة أصباني
خبر الناس أيها النيل عني
واشهدا معه أيها الهرمان
المغاني التي بكيت عليها
باقيات - تكلمي يا مغان
غازلتني عيون زهرك حينا
وقماريك رددت ألحاني
وإذا أنت حال عهدك بعدي
فكما شئت مهجتي ولساني
يا ربوع الهوى بأية كأس
صفحة غير معروفة
قد سقاني فيك الهوى من سقاني
بلبل مشتك وورد مصيخ
انظروا كيف يسعد العاشقان
أضحك الدهر معشرا جهلوه
وأنا مذ عرفته أبكاني
كلما قلت للمنى أدناني
جد حتى عن المنى أقصاني •••
أيها الشرق كيف حالك فينا
ينجلي نازل فيغشاك ثان
هدمتك الخطوب صرحا فصرحا
صفحة غير معروفة
قوضت من علاك شم المباني
يظلم الناس بعضهم منذ كانوا
طال ظلم الإنسان للإنسان
وإذا كان في الحياة قليل
من نعيم فذاك للتيجان
والعقول التي نخال أنارت
استسرت في ظلمة الأديان
انتهيت من صحائفي السود وما صدقت أن سأنتهي، تلك فصول أدمجت فيها وصف آلامي، وكان طيها خيرا من نشرها لولا لجاجة النفس شديدة النزوان. ولو كان في نطاق الصبر سعة لاسترسلت فيها وبلغت بها غايتها، ولكن كان خير مما لو كان. وهذه فصول تجاريب، أقدم عليها جهلا بمخاطرها، كالموغل في الأجمة بليل مسترخي السدول، لا يدري ما وراء أثلاتها وغاباتها، فإن غمرت من مياهها وفوزت من قتادها، فتوفيق غير مؤمل من مثلي، وإن ملكتني سورة هولها وأخذت علي مراودها ومسارحها، فما أنا أول ضال عن قصده، وفي حسن النية مأساة للآيس وتخفيف للملام.
لقد رأيت قوما راعهم ما قرءوه من فصولي، أولئك فريقان، فريق من المسيحيين وفريق من المسلمين، أكبر كلاهما أقوالي ولم تنشرح لها صدورهم، فسكت عنها بعضهم ولامني فيها بعضهم، وأنا في شغل عن الصامت واللائم، هذا باب اجتهاد فتحته لنفسي، ولا يعرف مرادي أحد مثلي، ومن لا يعتمد ما ظهر من رأيي فليأتني بما يحسبني أضمره أو فليدعني وليذهب عني بسلام، وحسبي اليوم أن أقول ما قاله أكثم بن صيفي: إن قول الحق لم يدع لي صديقا.
رأيت كاتبا قال في أحد فصوله إنه يحتقر من يترك الصوم في رمضان ويجهر بذلك، فعلمت أنه عرض بي - عفا الله عنه - لو باليت مثل احتقاره لكنت في موضع غير الذي أنا فيه، ولسوف أواصل جهادي حتى يقلل الله من أمثاله، فإن عشت حتى أدرك المرام كان ذلك فضلا من الله، وإن تحل المنية دون الأماني فكم في هذا الشرق من حر قلامة ظفره خير من حياة ألف ولي الدين.
صفحة غير معروفة
وبعد، فهذا ما أستطلعه في استغراق لحظة، أفكر في الشرق، نجلتني أبوته ونتقتني أمومته، واليوم تشقيني محبته، يا حبذا المهد ويا حبذا اللحد، توسده المجد وليدا ثم توسده ميتا، بلاد وأمم، كلها حبيبة وكلها عزيزة.
قلت في نفسي: ما يقعدني عن إصلاح هذا الوطن الكبير الذي أحبه، فرحت أتخيل، جعلتني حاكما على الشرق كله قريبه وبعيده وسهله وجبله، فشيدت معاهد التأديب، وأقمت بنايات العلم، ورفعت بيوت الصناعة، وضربت للعدل رواقه، ومددت للأمن أطنابه، وزينت أسواق التجارة بالنفائس، واستخرجت من بطون الأرض كنوزها، وخلعت عليها مطارف خصبها حتى سال النضار في جداولها، وقر اللجين في قيعانها، وقلت أقبلت عليك السعادة أيها الشرق وراجعك الإقبال، ووقفت أسائل نفسي: أبقي للشرق شيء يحتاجه، أم قضيت له حوائجه كلها؟ وإذا أنا بمكاني من التقصير والتفريط.
وا حر قلباه! ما ينفع كل ذلك وبين أحناء الأضالع وفي سويداوات القلوب نفوس مستعصية على الخير إذا وكزتها أوضعت وإذا لاطفتها حرنت، فأهلها كالعير لا يسيرون إلا وخلفهم العصا، فمن هؤلاء المعاندون ومنهم الأدعياء والكلفون بالرئاسة كعبيد الله استطال على العرب ثم استثار تعصب المتعصبين على قتل المسيحيين، ثم وقف ينتصر للألمانيين ويحض الناس على قتال الإنكليز، ومثله كثير في البلاد العثمانية وفي مصر وفي غيرهما من بلاد الشرق.
وبينا ينادي حماة الإنسان وأنصار نجدته إلى الإخاء، إذا صحف جديدة تأتينا وكلها دينية، منها المسلمة ومنها المسيحية، جدال استعرت ناره بين المآذن والنواقيس والمشايخ والرهبان، كل يصحح دينه، وكل دينه في غنية عن التصحيح، وما عاقبة هذا، وأين يكون مستقره؟ وقانا الله لفحات قيظه.
قلت: الخطب أيسر، تتفق حكوماتنا على طرد هؤلاء الناس أو تكرههم على السكوت حتى تكشف عنا غماؤهم وتسكن عواصفهم، ثم استطلت تأملي فألفيت المعضلة على أصلها، ما حللت لها عقدة ولا قاربت لعقدة حلا، ما حيلتنا في هذا البارض النضر الذي أتى به ربيع الحياة؟ أريد فتيان اليوم ورجال الغد، يذهبون إلى مدارسهم فيتعلمون بها ما ينير بصائرهم ويصفي نفوسهم، وينفق عليهم الذهب من خزائن الحكومة وأرزاق أهلهم كالمطر الجود ، حتى إذا أشربته قلوبهم وماج في صدورهم غلبت على شدته نفثة من نفثات معمم أو مقلنس يأتيهم مسترزقا ويدانيهم مجترئا، فرأيت روح عبيد الله تجول في كثير من تلك الأجساد الطاهرة، فقلت وا أسفاه!
وعن لي بعد ذلك خاطر جديد: حال بناتنا، نغدوهن الصحة ونعلمهن النضرة ونربيهن على حواشي العز ونسيرهن في مهرجان النعيم، فإذا بلغن غاية ما تشتهي الأنفس أسلمناهن إلى بعولات كالأزواد جسوما وكالبعوض أحلاما، يرفعون بينهن وبين الحياة الطيبة أسوارا، يغارون عليهن من شعاع الشمس وبرد النسيم، ولا يغارون عليهن من يد الموت ولا ضم الجدث.
فلما كثرت في صدري هذه الوساوس، وأطبق علي ظلام اليأس عرتني هزة كهزة الكهرباء خرجت بي من استغراقي، فندمت على تخيل حول وطول ما خلقت لهما ولا قبل لي بهما، ولا تمنيتهما فيما يتمنى، وصحت وا حرباه! برح الخفاء ووضحت السبيل، وإنا لا محالة خاسرون، ولرب فكر لحظة أفادهم الأبد، ما أهون هذه القلوب على خطوب الدهر! وما أضيع ودائع الأماني في ذمم الأيام! ولو عني الناس بوصف كل هم واغل ووجد مستحدث وشجن مستثار لذابت الأفئدة، وضجت إلى بارئها الأرواح، غير أن الجد في السعي والاستمرار على النصح يهون الخطب ويؤخر يومه، وما أنا من تسمو به همته إلى ادعاء ذلك، ولكن للعلم في عصرنا نهضة شخصت لها الأبصار وعنت الوجوه، وكلنا على آثار رجاله لسائرون، فنعم مفتاح باب المعقل الأشب.
الفصل الثاني
إن أكثر الجد هزل
التاريخ ديوان العبر ومرآة الأخبار، ثم هو شاهد الزور وراوي الأكاذيب، هذه دعاوي لا تحتاج إقامة البينات، وهذا إيماني لا يزعزعني عنه جدل ولا يغلبني عليه شك، وإذا كان فيما لدينا من أخبار القرون الأولى شيء لم يموه بالكذب فذاك قليل بل أقل من القليل، ومن البلية أن لا نستطيع التمييز بين الصدق والكذب في واحدة من تلك الروايات لبعد العهد وامتناع المرجحات.
صفحة غير معروفة
وفيمن أطراهم أهل التاريخ أناس مجدهم من غيرهم: معاوية سوده ابن العاص والعباس توجه الخراساني، باء الملكان بالسؤدد والعز وفاء الخادمان بمواهب وقعت ثم انتزعت، والملكان كلاهما ثائران عاصيان صدقهما الجد، وجرت على ما يبغيان الحوادث، فنشأت دولتان كبيرتان ملأتا أكثر الصحائف من كتاب التاريخ.
كنت جالسا ذات يوم مع صديق لي من خيرة الكتاب، فجرى بيننا مثل هذا الحديث، فقال صديقي: احمد الله أن أحرقت دار الكتب التي كانت بالإسكندرية، قلت ولم ذلك؟ قال: من يدري كم حوت من الأحاديث الملفقة والأكاذيب المبتدعة فأكلت النار جميعها، وزالت عنا حماقات لو دامت لنا لأضلت عقولنا، قلت: صدقت.
إن الأزل والأبد لمجهلان من مجاهل الزمان، ما ارتاد أحدهما فهم من الفهوم إلا أضل قصده، ما سيكون مثل ما كان، ولأن تشابهت الوقائع والحالات فإن بينها لاختلافات جمة لا تخفى على اللبيب، والظنون - قاتل الله الظنون - تأوي إلى نفوس الكاتبين فتذر عقولهم حيارى وتسير أقلامهم مفترية وآثمة، والويل لمن طابت سريرته وحسن إيمانه، فذاك يعيش على ضلال ويموت على ضلال.
هات بعض ما كتبه المؤرخون في عبد الحميد يوم لم يخنه جده ولم ينقلب عرشه، ثم اقرأ ذلك ممن لا يعلم صدقه من مينه يقل لك: إن عبد الحميد ملك لم تطلع الشمس على خير منه، ويصدق بما قيل من زور وبهتان، ولو فاز العرابي في ثورته ووفت له الأيام بلباناته لصرت الأقلام بمدحه وتغنت الأفواه بمناقبه، وعبد الحميد أحد الظالمين والعرابي أحد العاصين.
يقولون التاريخ، وما هو التاريخ؟ إفك وتأثيم، وإن بين من سودوا صحائفه ونطقوا بكذبه لأناسا أجفل عنهم الحياء، يحكون حكاية الشاهد لا السامع، ومنهم من يتبع روايته قسمه، إصرارا على الزور وإلزاما لقارئ كتابه، ألا شاهت تلك الوجوه. وإن فيما حدثنا به المؤرخون مثل قصة الزنبيل التي رواها الموصلي عن زواج المأمون ببوران وما زعمه صاحب العقد من حديث الرشيد مع أم جعفر حين هم بقتل البرامكة، وما أدعوه من أمر الذلفاء وابن عبد الملك الأموي لظرفا وأدبا، ولكنه تضليل لعقول الناس وعار يلزم من نقله من المؤرخين.
وبينا نعلل الأنفس بأن ستذهب عنا هذه الخيالات وتبقى لنا الحقائق، إذا بنا نأتي بما لم يسبقنا إليه السلف، كأن قد قضي على هذا الخلق أن لا يسمع إلا لغوا ولا يعلم إلا كذبا، وما فضل عصرنا على خاليات العصور إذا بات علم من علومه ظنا من الظنون.
توجهت يوما إلى صديقي جورجي أفندي زيدان، فأقبل علي بأنسه وحديثه، ثم أتى ذكر صحف الآستانة، فأتينا على حسن طبعها وجودة ورقها ورقة صورها، فناولني مجلة من مجلات فروق اسمها «رسملي كتاب»، وإذا فيها صورة رجل لو كان جهله علما لكان إلها، كتب في أسفلها أن صاحب الصورة من مشاهير الكتاب، قلت يا صقع الله هذه اللحى، ويا عوج الله هذه الأشداق، وقلت إن زماننا كزمان غيرنا، ولكن للماضين عذرا ونحن لا عذر لنا إن شاء الله.
ورأيت كتابا لعثماني - هو نزيل مصر الآن - اسم الكتاب «ما كابدته في سبيل الوطن»، وموضوع الكتاب من على الأمة وذم في جمعية الاتحاد والترقي، وكل هذا يجوز أن يغلب عليه الصفح الجميل، ولكن قدح المؤلف في الماسونية أو كاد، فسمج عندي تطفله، ورأيت علمه دون كبره فأنزلته منزلة لن يرقى منها درجة ولو أدلت الكواكب إليه أسبابها.
أما آن أن نفيق؟ سكرة هذه يذهب فيها عمر الأبد، كاد الدهر يموت ونحن كيوم خلق من يدعونه آدم. وبعد، فلا ننثني عن التماس الجد وادعائه والهزل ينطق من عيوننا ويبدو على نواصينا، وما يمنعنا أن نحسن نفوسنا أو نقوم طباعنا إلا كلف بما يغاير الحكمة.
لقد أمر بالمكتبة من المكتبة فإذا لاحت لناظري مجلداتها في ذهبها ونقشها أعرضت عنها إعراض السائم، وقلت كم في بطونك من زور، وكم تنطقين عن هوى؟ وسبيل العزاء أن نقول كذا شاءت الأقدار، وما تشقى الأقدار، بل يشقى أنفسهم الناس. هاتوا من ينقض كلامي هذا، نعم نعم، إن أكثر الجد هزل، وإن التاريخ ديوان العبر والأكاذيب.
صفحة غير معروفة
الفصل الثالث
التعصب يخرج الحرية من ديارها
هلموا إلى نجدتها يا أحرار
أسير بدار الظلم أعياه آسره
أما من فتى في الناس حر بناصره
أفي الناس أحرار وفيهم أحبة
فما لأخيهم لا يرى من يؤازره
عفاء على الزوراء بعد جميلها
إذا ربعه المعمور أخلق داثره
ألم به خطب من الجور فادح «كما انقض باز أقتم الريش كاسره»
صفحة غير معروفة
تنادوا به والضغن ملء قلوبهم
وقالوا وحيد ما لنا لا نكاثره
فإن نكفه نكف الشديد مراسه
وما بعده فينا عدو نحاذره
فطافوا به من خلفه وأمامه
كما طاف بعد المحل بالربع زائره
أحين هوى عبد الحميد بعرشه
وغبره بالذم في الناس غابره
يقوم رجال يستعيدون عهده
وفينا نيازي قائم وعساكره
صفحة غير معروفة
ألا قد بغت هذي العمائم بغيها
فدارت على القوم الكرام دوائره
ألا لا نرجي العدل والعدل دوننا
موارده محمية ومصادره
تجلى زمانا ثم لم تبتسم لنا
أوائله حتى استسرت أواخره
بأي كتاب أم بأية سنة
يجازى على قول الصواب معاشره
بأي كتاب أم بأية سنة
يريدون طي الحق إن قام ناشره
صفحة غير معروفة
سلام على الأوطان من بعد مأمل
ذوي وأرق الإقبال منه وثامره
سلام على الدنيا سلام على الورى
سلام على العهد الذي قل شاكره
سنبكي على العيش الذي كان غرنا
وقد ساء ماضيه وما سر حاضره
سقى الله أجداثا علت شهداؤها
بكل ملث الودق تهمي مواطره
قضوا تحت أسوار الحصار حمية
ولم تغن عن عبد الحميد دساكره
صفحة غير معروفة
فإن يك بالدرويش قد زل جده
فهذا عبيد الله حلق طائره
أقام على الأطلال كالبوم ناعيا
يبشر بالتخريب ساءت بشائره
فأما قضى فيكم جميل بحسرة
ستبقى عليكم شاهدات مآثره
وإن تحجبوا من فضله كل باهر
فليس ضياء الشمس يحجب باهره
أخي وفجاج الأرض بيني وبينه
أعيذك من هم تبيت تساوره
صفحة غير معروفة
أعيذك من وجد يضيفك نازلا
وأهوال ليل مظلم أنت ساهره
توقف في ظلماته غير منجل
كواكبه تسطو عليها دياجره
تشوفك البيت الذي كنت بدره
لقد أظلمت حزنا عليك مقاصره
وأصبح زاهي الروض بعدك يابسا
وناح على دوحاته لك طائره
فإن تظلموا فيكم جميلا لغاية
فإن جميلا ليس يغفل ثائره
صفحة غير معروفة
وإن فريق الظلم إن طال ظلمه
سنمشي إليه بالسيوف نبادره
أيها العالم الجليل أستاذي الدكتور شبلي شميل: أهبت بنا فأسمعت، قرأت في المقطم ما سطرته أناملك الطيبة، وأنا طريح الفراش طليح الهموم، فخلت السقف وقع على رأسي ونهضت واقفا، وها أنا أسطر هذه السطور ولا أدري هل أجد جلدا إلى إتمامها.
كنت قرأت ردود المؤيد على العلامة الزهاوي فاستشعرت وجلا وأحس قلبي بالشر، ثم عاجلتها بكلمة عنوانها «المرأة المسلمة بين القاتل والفادي» نشرت على صفحات المقطم الأغر، غير أن كلام السوء أنفذ سهاما وأشد إصابة لمقاتل الرجال من كلام الخير، فذهبت صيحتي ولم يرجع لها صدى، ودوت صيحة المؤيد وأشياعه لتمام المحنة ولشقوة الأمجاد، هكذا دأب الشرق يفلح الغاش ولا يفلح الناصح.
قلت حين نبذوا لنا جيفة الدستور: نؤازر هؤلاء القوم القائمين فينا بالأمر، ربما أصابوا من حيث لا يشعرون، وكم رمية من غير رام، ثم أوائل الدول تأتي بمخلوقات عجيبة كصندوق الدنيا فيه عجائبه، وقلت اطمئني أيتها القلوب واسكني يا ثائرات النفوس، ووقف إخواني العثمانيون يتفرجون فما راعنا إلا مذابح وفتن وغارات تتلوها غارات، وصخب وضجيج بين نواب الأمة يتجاذبون أطراف الفوائد، كل يريد أن يسمن كبشه، فبدت السرائر في أشكالها وألقت الأفواه بما أخفته الصدور، فقلنا على الآمال والمستقبل السلام.
ولما افتر التعصب عن نواجذه أقمنا نقصد المراثي لننوح بها على الوطن في جدثه، غير أننا حاربناه فغلبنا، واستجرنا بأنصار الآدمية فلم نجد مجيرا، وما بنا أن نلقى المنية في جهادنا، ولكن من لهذه المخازي بعدنا يسجلها في دفاترها السود لتبقى عظات خالدات للأعقاب؟ هذا داء أعضل قلت الحيلة في استئصاله، وأنت طبيب لا يزاد مثلك علما، وترى عبيد الله يسعى في أديم كأديم التمساح، لا تعمل فيه النبال ولا رصاص المرتيني، ومن لنا بماوزر أولوبيل ولي متفورد فنجربه في جسده عسى يستشعر ألما أو يحدث في خلقه تغيرا، هيهات هيهات!
وكم من مثل عبيد الله، وقوفا مشمرين يحفرون للوطن لحده، والأمة تنظر ولا ترى، هي في حاجة إلى الدرس والدرس فات زمانه، وما يجدي الدستور إذا كان الشعب لم يتهيأ للدستور؟! جنى جان جناية كلنا مأخوذون بها اليوم.
وجرم جره سفهاء قوم
فحل بغير جارمه العقاب
أخواننا الذين يظلهم الدستور العثماني لا قبل لهم بمعارضة الحكام، وهم معذورون، ثم شفار أرهفت وسيوف سلت تقتطف الرقاب كما تقتطف الثمار، ومن قام مصوتا بصوت قامت عليه نوادبه، ونوابنا - حماهم الله عيون الحاسدين - كجماعة الإوز تتحاوم على مناهل الماء، لكل امرئ منهم شأن يغنيه، وفي القتيلين على جسر غلطة عبرة للسائلين.
صفحة غير معروفة
أما لو يفيد العتب لعصفت به عواصف هذي القلوب، أما لو يغني النصح لامتلأت به بطون الدفاتر، ولكن قال أبو الطيب:
يراد من القلب نسيانكم
وتأبى الطبائع على الناقل
على أنني أرى رأيا أخاله يخرجنا من هذا المأزق، ولا تتسع له هذه السطور، وما هو مما ينشر بالصحف السيارة، فاضرب لي ميعادا توافيني فيه إلى عند الأساتذة أصحاب المقطم، هنالك أبسطه لكم وتنظرون أنتم فيه.
وبعد، فيا أيها المسلمون، أنا مسلم مثلكم، يحزنني خسرانكم ويشركني معكم مصرعكم، هؤلاء الرجال الذين أثقلت هاماتهم العمائم أكثرهم لا يعقلون، كان عبد الحميد يقتل الناس ويظلمهم وينفيهم وينهب الخزائن، وكل هذا حرام في دينكم، فما قام في وجهه واحد منهم ناصحا أو رادعا، ولكنهم اليوم - وقد وسعتهم بلاد الحرية - يكرهون أن يروا حرا يتكلم، يهاجمون من لا يكون من فريقهم، يملئون الدنيا صخبا وضجة، يكفرون الساعل والماخط والآكل والشارب حتى لقد زهدونا في الحياة، وهم أشد الناس بها تعلقا، فلا تجعلوا لهم سلطانا عليكم فيكسبوا من خسرانكم ويسعدوا بشقائكم وأنتم لا تعلمون.
إن ينزل بالزهاوي نازل من الظلم فتلك سبيل أبناؤكم سالكوها غدا، فإلا يحزنكم مصرعه فإن في مصارع أبنائكم ما يستدر جامدات العبرات، إيه لكم! قطعت الشعوب أشواطا في منازل الحياة ونحن إلى الوراء راجعون، لا تكونوا واسطة السوء بين الأسلاف والأخلاف، أما لتقذفن لكم الأرحام بأضاحي كالتي شهدتم، تلبسون ليومها السواد ويطول عليها أنينكم تحت طيات الدياجر.
استجار المقطم الأغر بالوالي وبالرئيس - لك الله - إنما تستجير من الرمضاء بالنار، بحت الأصوات وتقطعت الأنفاس واضطربت الجوانح وعيت الألسن وشلت الأنامل.
وقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ألا في سبيل المجد والحق والحرية شهيد جديد، إذا لم يخنه جده ويرن في الأسماع نعيه فقد جاوز مهالك عظيمة، وإن حم حمامه - لا قدر الله - فإنا له ثائرون أو به لاحقون، وليرو ثراك أيها الوطن بدمائنا إن لم تروه أنهارك، ولتقم في جوانبك المناحات على أنصار الحرية وأبناء آدم شهود.
صفحة غير معروفة
1
الفصل الرابع
الأحرار وأعداؤهم
قال قيس بن زهير:
إذا أنت أقررت الظلامة لامرئ
رماك بأخرى شعبها متفاقم
فلا تبد للأعداء إلا خشونة
فما لك منهم إن تمكن راحم
لله أبوه! ما أصدق قوله، وما أعرفه بمواضع الرأي! إن طوائف المتعصبين الذين أجفلوا من سيف الحرية وأظهروا الرضاء بالانقلاب العثماني يصدق فيهم هذا الكلام، لقد خفضوا لنا أجنحة الذلة وأبدوا جانب الاستكانة رهبا لا رغبا، والظلم كمين في نفوسهم يخمد الضعف جذوته وتلهب القوة جمرته، ولو أمكنتهم الغرة لاقتحموا إلينا الأهوال ولأخذونا من نواصينا ولجرونا على بطاح الأرض جر المحتطب حزم الوقود، كل ما تتحرك به ألسنتهم من قول لين يخرج من قلوب استوطنها الجبن، وتوجبه عزائم استولى عليها الخور، يكذبوننا المودة ويحتفرون لنا القبور، يد قد بسطت بالضراعة، وأخرى في قائم العضب ومقلة مسبلة بدمع كاذب، وأخرى تتحرى مواضع الأسلاب، هذا هو الود الذي مزقه التخالف وتحاول أن ترفعه الحاجة، باءوا بإثم الغواية كما استقلوا بخزي النفاق.
أقام عبد الحميد بصرحه الممرد ثلاثة وثلاثين عاما، كان كلما أنحى بشفرته على رقبة علت من جوانب ملكه صيحات الصائحين، الله أكبر الله أكبر، وكانت كلما غذت الوالدات أطفالهن ناداهم أولئك الأبرار: أسمنوا ضحاياكم. وكان الملك الأحمر بين أقطاع الضعاف من رعاياه تتساقط حوله الذبائح والمنابر تهتز بالأدعية والمدائح. قالوا في تمجيده: ظل الله في أرضه، وسلطان البرين والبحرين، وخادم الحرمين الشريفين، باني الكون، المتصف بصفات الملائكة، من عتبته بمنزلة الأفلاك، وقالوا في الدعاء له اللهم أطل في العز أيامه وحكم سيوفه في رقاب أعدائه ، وانصر عساكره وامدده بجنود من ملائكتك. ورعاياه المذبوحون يسمعون وهم في آخر كل دعاء يقولون بفم رجل واحد آمين اللهم آمين، مولين وجوههم شطر القبلة شاخصة أبصارهم مبسوطة أكفهم، ونحن نقول: يا هؤلاء نحن مظلومون، فيقولون: أنتم كاذبون بل أنتم معتدون. وما فتئت الأمة المسكينة يقص زمان عبد الحميد من حواشيها حتى أودى خيارها وبقي شرارها، وهم اليوم يكفرون الباء الملل ويحاولون أن يستعيدوا الكرة.
صفحة غير معروفة