التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم لعبد العزيز الثميني مج2 من المخطوط
تصانيف
ومن قال: إنما يمنعني من التوبة عليه بأني أعود إلى الذنب، لأن النفس من طبعها عدم الصبر عليه فلا أثبت على التوبة، قيل له: إن هذا من الغرور، لأنه لا يأمن أن يفاجأ به، فلعله يموت قبل أن يعود إلى الذنب، فإن ثبت عليها، وسلم من العقوبة(62) فبفضل الله وتوفيقه، فإن عاد إليه(63) فقد تاب مما سلف منه وتطهر من أقذاره، وليس عليه إلا ما أحدثه بعد، وهذا ربح عظيم، فلا ينبغي للعبد أن يمنعه خوف العود، فإن التائب لا يخلو من الفائدة.
فصل
الذنوب ثلاثة: ترك مفروض، على تاركه قضاؤه؛ وفعل محرم عليه كالزنا وشرب الخمر، عليه فيه ما مر من الندم وغيره؛ وتباعة للعبد وهي أصعبها وأشكلها، وتكون في نفس ومال وعرض وحرم ودين.
فالمال يجب رده لربه ويجزي عنه الحل والإبراء؛ وفي النفس القود أو الدية أو العفو أو القصاص أوالإرش؛ وعليه في العرض تكذيب نفسه فيما اغتابه فيه أو بهته وأن يستحله منه إن أمكن ولم يحس منه زيادة غضب أو هياج فتنة إن ظهر ذلك له.
وفي الحرم كالأهل والولد إن خانه فيهما أن يتضرع فيه إلى ربه ليرضيه عنه إذ لا وجه للاستحلال فيها؛ وفي الدين إن أضل فيه أحدا أو نسبه إلى البدع، والبراءة أن يكذب نفسه بين يديه ويستحله منه، فإن قدر عليه فعل وإلا ابتهل إلى الله أن يرضيه عنه أيضا.
وإن أمكنه إرضاء الخصم فعل، فإذا علم الله صدقه أرضى عنه خصمه، فإذا فعل ذلك خرج من ذنوبه، وإن حصل منه تصفية القلب لا قضاء الفوائت وإرضاء الخصم فالتباعات باقية والذنوب مغفورة، فمن قبل الله توبته أحبه وكان في غاية القرب.
فعلى العبد أن يجتهد فعسى أن يسلم، ولا يأمن قساوة قلبه، فإنه من الذنوب، وعلامته أنه لا تجزعه ولا تقلقه، ولا ينزع لطاعة، ولا يحزن بمعصية ولا يتألم منها. وروي: ((خياركم كل مفتن تواب))، أي كثير الابتلاء بالذنب كثير التوبة منه.
صفحة ١٣٦