كتاب التاج في اخلاق الملوك
محقق
أحمد زكي باشا
الناشر
المطبعة الأميرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٣٢هـ - ١٩١٤م
مكان النشر
القاهرة
ما حملت رحلي وذكر الشعبي ناسًا، فقال: ما رأيت مثلهم أشد تناقدًا في مجلس ولا أحسن فهمًا عن محدث.
وقال سعيد بن سلم الباهلي لأمير المؤمنين المأمون: لو لم أشكر الله إلا على حسن ما أبلاني أمير المؤمنين من قصده إلي بالحديث، وإشارته إلي بطرفه، لقد كان ذلك من أعظم ما تفرضه الشريعة، وتوجبه الحرية.
قال المأمون: لأن أمير المؤمنين، والله، يجد عندك من حسن الإفهام إذا تحدثت، وحسن الفهم إذا حدثت، ما لم يجده عند أحدٍ فيما مضى، ولا يظن أنه يجده فيما بقي.
وفيما يحكى عن أنوشروان أنه بينا هو في مسيرٍ له، وكان لا يسايره أحد من الخلق مبتدئًا وأهل المراتب العالية خلف ظهره على مراتبهم، فإن التفت يمينًا، دنا منه صاحب الحرس، وإن التفت شمالًا، دنا منه الموبذ، فأمره بإحضار من أراد مسايرته، قال: فالتفت في مسيره هذا، يمينًا، فدنا منه صاحب الحرس، فقال: فلان. فأحضره، فقال: حدثني عن أردشير بن بابك حين واقع ملك الخزر، وكان الرجل قد سمع من أنوشروان هذا الحديث مرة، فاستعجم عليه وأوهمه أنه لا يعرفه. فحدثه أنوشروان بالحديث، فأصغى الرجل إليه بجوارحه كلها، وكان مسيرهما على شاطيء نهر.
وترك الرجل، لإقباله على الحديث، النظر إلى مواطيء حافر دابته، فزلت إحدى قوائم الدابة، فمالت بالرجل إلى النهر، فوقع في الماء ونفرت دابته، فابتدرها حاشية الملك وغلمانه، فأزالوها عن الرجل، وجذبوه فحملوه على أيديهم حتى أخرجوه، فاغتم لذلك أنوشروان، ونزل عن دابته، وبسط له هناك، فأقام حتى
1 / 52