كتاب التاج في اخلاق الملوك
محقق
أحمد زكي باشا
الناشر
المطبعة الأميرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٣٢هـ - ١٩١٤م
مكان النشر
القاهرة
فآكله. فما أعجبني كثرة ما صدت، اردت أن أرمي بكل ما معي من هذه السهام، ثم أنصرف.
فأخذه، فحمله إلى الملك، فأخبره بقصته. فقال له الملك: إرم بين يدي! فرمى بين يديه، فكان لا يضع سهمه في طائرٍ ولا غيره إلا أصابه حيث أراد. فبهت الملك، وطال تعجبه. فقال: ويلك! في هذه المملكة من يرمي رمايتك؟ فضحك بهرام، وقال: أيها الملك! أنا أخسهم رمايةً، وأحقرهم قدرًا. وعندي جنس آخر من الثقافة.
قال: وما هو؟ قال: ادع لي بإبرٍ.
فدعا له بها. فأخذ إبرةً، فرمى بها على عشرة أذرعٍ، ثم أتبعها بأخرى فشكلها، ثم اتبعها بأخرى فشكلها كذلك، حتى جعلها سلسلةً قد تعلق بعضها ببعض.
فبهت الملك، وملي قلبه رعبًا، فقال له: ويلك! ملككم هذا جاهل! أما يعلم أني قد قربت من قرار داره! فضحك بهرام، وقال: إن أعطاني الملك الأمان نصحته. قال: قد أعطيتك الأمان.
قال: إن ملكنا إنما تركك استهانةً بأمرك، وتصغيرًا لشأنك، وعلمًا بأنك لا تخرج من قبضته. وذلك أني أخس من في دار مملكته، وأخملهم ذكرًا. فإذا كنت، وأنا بهذه الحال، أقتل بألفٍ سهمٍ ألف رجلٍ، فما ظنك بالملك، وله مائة ألف عبدٍ في قرار داره، أصغرهم شأنًا أكبر مني؟ فقال له الملك: صدقني فيما قلت! ولقد خبرت عن بهرام من تصغيره لشأني، واستخفافه بأمري ما طابق خبرك. وما تركني أبلغ هذا الموضع من ملكه إلا لما ذكرت؟ فأمر عظيم جيشه أن يرتحل من ساعته؛ ونادى في الناس بالرحيل. ثم خرج لا يلوي على شيء، وأطلق بهرام. فانصرف بعد ثالثةٍ، حتى دخل داره ليلًا؛ فلما أصبح،
1 / 179