عاد جو أوكيف إلى المطبخ. «إنها مستلقية. تقول إن هناك بعض الحساء خلف الموقد ... تفضل. هذا سيمنحك القوة ... ينبغي أن تذهب حيث كنت ليلة أمس يا جو. فقد خرجت إلى حانة سي سايد هنا كي أحمل رسالة إلى رئيس الطهاة عن شخص يخبره بأنهم سيغلقون السوق ... لقد كان أبشع شيء رأيته في حياتك. هذا الرجل الذي هو محام معروف في وسط المدينة كان بالخارج في القاعة يصيح عاليا من أعماقه معترضا على شيء ما. يا إلهي، لقد بدا صعبا. ثم أخرج مسدسا وكاد يطلق النار عليها أو شيء ملعون من هذا القبيل عندما أتى رئيس الطهاة وهدأ من روعه وهو يعرج على عصاه كما يفعل، وأخذ المسدس بعيدا عنه ووضعه في جيبه قبل أن يرى أحد بوضوح ما حدث ... هذا الرجل بالدوين هو صديقه، أتصدق ذلك؟ لقد كان أبشع شيء رأيته في حياتك. ثم انهار تماما مثل ...»
قال جو هارلاند: «اسمع مني يا فتى، سيصيبهم هذا جميعا عاجلا أم آجلا ...» «فلتتناول طعامك جيدا. لم تأكل ما يكفي.» «لا أستطيع أن آكل جيدا.» «بل تستطيع بالتأكيد ... أخبرني يا جو ماذا عن الحرب؟» «أعتقد أنهم سيخوضونها هذه المرة ... لقد عرفت أنها آتية منذ حادثة أكادير.» «يا إلهي، أحب أن أرى أحدا يهزم إنجلترا بعد أن رفضت منح أيرلندا حكمها الذاتي.» «ينبغي علينا مساعدتهم ... على أي حال لا أرى كيف يمكن أن يستمر هذا طويلا. فلن يسمح بذلك من يتحكمون في التمويل الدولي. في نهاية المطاف، المصرفيون هم من يتحكمون في الأموال.» «لن نذهب لمساعدة إنجلترا، لا يا سيدي، لن نفعل ذلك بعد ما فعلوه في أيرلندا، وفي الثورة، وفي الحرب الأهلية ...» «سيقضي عليك تماما هذا التاريخ الذي تقرؤه في المكتبة العامة كل ليلة يا جوي ... فلتتابع أسعار الأسهم وابق منتبها ومستعدا ولا تدعهم يخدعونك بكل هذه الصحف التي تتحدث حول الإضرابات، والثورات، والاشتراكية ... أود أن أراك تحقق نجاحا يا جوي ... حسنا، أظن أنه من الأفضل أن أذهب.» «فلتمكث قليلا، سنفتح زجاجة من الشراب.» سمعا صوت أقدام ثقيلة متعثرة في الممر خارج المطبخ. «من هناك؟» «أهذا أنت يا جو؟» دخل الغرفة مترنحا فتى كبير الحجم أشقر الشعر بكتفين ضخمين ووجه أحمر مربع وعنق ثخين. «من في ظنك يكون هذا بحق الجحيم؟ ... إنه أخي الصغير مايك.» «حسنا ما الأمر؟» وقف مايك متمايلا وذقنه على صدره. انتفخت كتفاه لتصل إلى السقف المنخفض للمطبخ. «أليس كالحوت في ضخامته؟ ولكن بحق المسيح ألم أقل لك ألا تأتي إلى المنزل وأنت مخمور؟ ... إن بإمكانه أن يهدم علينا المنزل.» «ينبغي أن أعود إلى المنزل وقتا ما أليس كذلك؟ منذ أن عملت في الحزب يا جو وأنت تضايقني أكثر مما يفعل الرجل الهرم. أنا سعيد أنني لن أمكث في هذه البلدة الملعونة طويلا. إن بها ما يكفي لتجن جنون المرء. إن تمكنت من أن أذهب في أحد الأحواض التي تبحر أمام جسر البوابة الذهبية، فسأفعل وربي.» «بحق الجحيم لا أمانع من أن تبقى هنا. كل ما في الأمر أنني لا أحب ألا تتمالك نفسك طوال الوقت، أتفهم؟» «سأفعل ما أريد، أتفهمني؟» «اخرج من هنا يا مايك ... عد إلى المنزل عندما تكون مستفيقا.» «أود أن أراك وأنت تطردني من هنا، أتفهمني؟ أود أن أراك وأنت تطردني من هنا.»
نهض هارلاند واقفا. قال: «حسنا، سأفعل. فلتر ما إذا كان بإمكاني فعل ذلك.»
كان مايك يتقدم عبر المطبخ بقبضتين مطبقتين. مد جوي شفته السفلى، والتقط كرسيا. «سألبسه في رأسك.» «بحق القديسين والشهداء ألا تستطيع المرأة أن تحظى بالسكينة في منزلها؟» ركضت امرأة صغيرة البنية ذات شعر أشيب تصرخ بينهما، وكان لها عينان سوداوان متباعدتان في وجهها المنكمش كتفاحة تركت لتتعفن من عام مضى، لوحت في الهواء بيدين لواهما العمل. «فليخرس كل منكما، دائما ما تتبادلان السباب وتتعاركان في أنحاء المنزل كما لو لم يكن هناك إله ... اصعد يا مايك إلى الطابق العلوي واستلق في سريرك حتى تستفيق.»
قال جوي: «لقد كنت للتو أقول له ذلك .»
التفتت إلى هارلاند، وكان صوتها كصرير الطباشير على سبورة سوداء. «وأنت، اخرج من هنا. فأنا لا أسمح بوجود المتشردين السكارى في منزلي. اخرج من هنا. لا يهمني من أحضرك.»
نظر هارلاند إلى جوي بابتسامة بغيضة بعض الشيء، ثم هز كتفيه وخرج. تمتم وهو يتعثر بساقين تؤلمانه على طول الشارع الترابي للمنازل المبنية من الطوب ذي الواجهة المظلمة: «خادمة.»
كانت شمس ما بعد الظهيرة القائظة كضربة على ظهره. وفي أذنيه أصوات الخادمات، والطهاة، والكتاب المختزلين، والسكرتارية: نعم يا سيدي، السيد هارلاند، شكرا لك يا سيدي السيد هارلاند. أوه يا سيدي شكرا جزيلا يا سيدي السيد هارلاند ... •••
ثمة طنين أحمر في جفنيها حيث يوقظها ضوء الشمس، وتغوص مرة أخرى في دهاليز النوم الناعمة كالصوف القطني الأرجواني، وتستيقظ مرة أخرى، متقلبة متثائبة، وتسحب ركبتيها إلى ذقنها لتجذب شرنقة النعاس الحلوة بإحكام أكثر حولها. تتدحرج شاحنة تدحرجا مرعبا على طول الشارع، وأشعة الشمس تقبع في خطوط ساخنة فوق ظهرها. تتثاءب في يأس وتتقلب وتستلقي متمددة ويداها أسفل رأسها محدقة في السقف. من بعيد عبر الشوارع وجدران المنازل، يخترق سمعها الأنين الطويل لصافرة قارب بخاري كفسيلة حشائش سلطعون تندفع عبر الحصى. تجلس إلين وهي تهز رأسها كي تبعد ذبابة متخبطة حول وجهها. تومض الذبابة وتختفي في ضوء الشمس، ولكنها تظل تشعر في مكان ما بوخز طنان متباطئ، غير قابل للتفسير، شيء خلفته أفكار الليلة الماضية المريرة. ولكنها سعيدة ومستيقظة تماما وما زال الوقت مبكرا. تنهض وتتجول في أرجاء الغرفة في ثوب نومها.
عندما تضرب الشمس الأرضية الخشبية الصلبة، تجدها دافئة في أخمصي قدميها. تزقزق عصافير الدوري على النوافذ. ويأتي من الطابق العلوي صوت ماكينة خياطة. عندما خرجت من الحمام بدا جسدها مصقولا ناعما ومشدودا، ففركته بمنشفة وهي تحسب ساعات اليوم الطويل الذي أمامها؛ حيث المشي عبر شوارع وسط المدينة التي تتناثر بها القمامة وصولا إلى ذلك الرصيف على النهر الشرقي حيث يكومون عارضات خشب الماهوجني، ثم تناول الإفطار وحدها في فندق لافاييت، من قهوة ولفائف هلالية وزبدة حلوة، والذهاب للتسوق في متجر لورد آند تيلور مبكرا قبل حلول المساء حيث الزحام وإرهاق البائعات، وتناول الغداء مع ... ثم يتدفق الألم الذي كان يزعجها طوال الليل وينفجر. قالت بصوت عال: «ستان، ستان، يا إلهي!» تجلس أمام مرآتها تحدق إلى سواد حدقتي عينيها المتسعتين.
صفحة غير معروفة