وحقيقة الأمر هي أن احتلال إنكلترا لمصر لم يكن إلا لوضع المسألة المصرية «على الرف» مؤقتا؛ لأن هذه المسألة كانت أبدا تهدد سلام أوروبا تارة وتهدد إنكلترا في الهند تارة أخرى، ولكن لا نحسب أن أحدا يظن أن هذا الاحتلال هو الحل النهائي لهذه المسألة، ولو أن إنكلترا لم تعين ميعادا للجلاء فإنها بلا ريب لم يخطر ببالها أمر البقاء على كر الدهور.
بقي علينا أن ننظر لحظة في الأعمال التي قامت بها إنكلترا في مصر، فنقول: إنه من المحقق أن إنكلترا من عهد احتلالها مصر لم تمثل دور المحب لذاته، ولا ينكر أحد أن عهد الاحتلال كان على الدوام عهد نجاح مادي لم تر مصر له مثيلا في تاريخها الماضي، وأول دليل على ذلك أن إنكلترا عندما استلمت قياد مصر وجدت المالية في حال يرثى لها، وقد ظن كثيرون من الذين شاهدوا فساد المالية المصرية أنه من المستحيل إعادة النظام إليها بعد الفوضى الهائلة التي سادت عليها.
على أن هؤلاء لو عاشوا إلى عهد الاحتلال البريطاني لاندهشوا من التقدم الباهر الذي حازته المالية المصرية تحت المراقبة الإنكليزية، وغني عن البيان أن مثل هذا التغيير لا يتم إلا بالعمل المتواصل الخالي من كل غاية وغرض، ولم تحصل إنكلترا على هذه النتيجة الحسنة إلا بوضع الاقتصاد العادل في موضع الإسراف الفاحش، فلم تقتر ولم تبذر على أن الأرقام في مثل هذه الموضوعات هي أعدل الشاهدين، فنحن ننتخب من كتاب «السياسي» لسنة 1905 ما يأتي عن تاريخ المالية والديون المصرية:
إن دين مصر ابتدأ سنة 1862 عندما عقدت قرضا قدره 4292800ج، ثم عقدت غيره على التتابع وفي سنة 1870 بلغت الديون الأجنبية 38307000، وقد أضيف إلى هذا الدين في سنة 1873 قرض قدره 32000000 لتسديد الدين الأصلي الذي بلغ 28000000، وفي سنة 1875 أعلن الخديوي إسماعيل أنه في ضيق مالي شديد، وفي سنة 1876 أصدر الخديوي قرارا وحد فيه الديون المصرية فصارت كلها دينا واحدا قدره 91000000، وفي سنة 1877 اجتمع مندوبو المداينين الإنكليز والفرنسويين لتوحيد الدين المصري فقسموه إلى قسمين: الدين المفضل وقدره 17000000 بسعر 5 في المائة، والدين الموحد وقدره 59000000 بسعر 7 في المائة.
ووحدت ديون الدائرة السنية في دين واحد قدره 8815430 بسعر 5 في المائة، وفي سنة 1878 عقد قرض على أملاك الدومين قدره 8500000 بسعر 5 في المائة، وفي سنة 1879 ابتدأت مراقبة إنكلترا وفرنسا، وفي يناير 1880 أصدرت هاتان الدولتان تقريرا صرحتا فيه بأن مصر لا تستطيع أن تسوي حسابها، وفي يوليو من هذه السنة ذاتها اجتمعت لجنة من مندوبي الدول العظمى وقررت عمل تصفية مالية؛ وبهذه الطريقة خفض سعر الدين الموحد إلى 4 في المائة، وحدثت تغييرات كثيرة كانت نتيجتها أن الدين الموحد أصبح قدره 60958240ج، وأضيفت ديون شتى لم تكن موحدة إلى الدين المفضل فصار 22743800، وبلغ دين الدائرة السنية 9512880 وخفض سعره إلى 4 في المائة.
وفي سنة 1885 عقد قرض بضمان الدول بمبلغ 9424000 بسعر 3 في المائة. وفي سنة 1888 عقد دين قدره 2330800 بسعر
في المائة لأجل استبدال المعاشات.
وفي سنة 1890 أضيف الدين المفضل إلى دين 1888 الذي ذكرناه آنفا ووحدا في دين مفضل قدره 29400000 بسعر
في المائة، وفصل من هذا الدين المفضل مبلغ 1300000 ج.م لإصلاح الري واستبدال المعاشات.
ثم أصدرت ديون الدائرة السنية البالغة 7299360 بسعر 4 في المائة، وفي سنة 1893 استبدلت ديون الدومين البالغة 8500000 التي كانت بسعر 5 في المائة بدين سعره
صفحة غير معروفة