تحليل نفيس لشارح العقيدة الطحاوية
ذكر الشيخ ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية مسألة انتفاع الميت بعمل غيره مما لم يتسبب فيه، ورجح القول به، وذكر الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس عليه، ثم قال في الجواب عن الآية التي يتمسك بظاهرها المانعون:
والجواب عما استدلوا به من قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}[النجم:39]: قد أجاب العلماء بأجوبة، أصحها جوابان:
أحدهما: أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد، ونكح الأزواج، وأسدى الخير، وتودد إلى الناس، فترحموا عليه، ودعوا له، وأهدوا له ثواب الطاعات، فكان ذلك أثر سعيه، بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته، ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم.
يوضحه: أن الله تعالى جعل الإيمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم، فإذا أتى به فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك.
الثاني: وهو أقوى منه أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه، وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أن يبقيه لنفسه. وقوله سبحانه وتعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}[النجم:38،39]، آيتان محكمتان تقتضيان عدل الرب تعالى، فالأولى تقتضي أنه لا يعاقب أحدا بجرم غيره، ولا يؤاخذه بجريرة غيره كما يفعله ملوك الدنيا، والثانية تقتضي أنه لا يفلح إلا بعمله لينقطع طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلفه ومشايخه، كما عليه أصحاب الطمع الكاذب، وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى. ا ه.
صفحة ٩