معنى الاختيار والتفضيل
قد يخطر ببال بعضنا ما قد يعذر فيه، فيقول مثلا: لماذا كانت هذه السور والآيات أفضل من غيرها؟
وقد حرر الجواب على هذه المسألة فضيلة الإمام السيد محمد زكي إبراهيم فقال:
إن القرآن كله كلام الله تعالى، فهو من حيث المصدر والذاتية والتنزيل المناسب للأحداث، لا تفضيل فيه لبعض الآي والسور على بعض، أما ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بيان فضل بعضها فليس معناه أنه لا فضل لباقيها، ولكن معناه أن ملابسات خاصة وقعت فجعلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بما في بعض هذه السور والآيات من البركة والخير، وبالتالي فإنه لم تقع الملابسات التي ربما لو وقعت لكشف لنا صلى الله عليه وآله وسلم عما لا نعرفه من فضل بقية السور والآيات، فالفضل هنا وهنا موجود، ولكننا عرفنا هذا ولم نعرف ذاك لأن هذا الفضل سر، ولا يمكن الإحاطة به إلا بوحي وبيان من الصادق المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.
هذا وقد قال بعض العلماء: إن الأفضلية في الآيات والسور ليست في ذاتها ولكن في الأجر عليها والانتفاع بها في مواضعها.
وقال فريق آخر، منهم القرطبي، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن العربي، والحليمي، وابن القصار، وغيرهم: إن الأفضلية طبيعة الأشياء الكونية كلها فلا عيب أبدا في أن تكون هناك آية أو سورة أفضل من غيرها لسبب أو لآخر.
قالوا: فإن مدلول قوله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن}[الحديد:3]، ليس كمدلول قوله تعالى: {ومن البقر اثنين}[الأنعام:144]، {ومن المعز اثنين}[الأنعام:143]، وإن ما في آية (الكرسي) من المعاني ليس في {تبت يدا أبي لهب}[المسد:1]، فالتفضيل عندهم من حيث المعاني، وإن استوى الجميع من حيث المصدر والغاية.
صفحة ٥٩