فيا ليت المنكرين المعترضين على الناس في هذه المسائل يسلكون مسلك الشيخ ابن تيمية ويتأدبون بأدب أسلوبه في الانتقاد والإنكار حيث اكتفى بقوله: (ليس معروفا عند السلف وقد كرهه جماعة) فما ألطف هذه الجملة! وما أحسن هذا الأسلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأين هذا مما نسمعه من إخواننا المنكرين من الهجوم الشديد، والإنكار الغليظ بالألفاظ البشعة، والأساليب المنفردة، والمقاطعة لأهلهم وأرحامهم، وعدم مشاركتهم في مصيبتهم وأحزانهم، بدعوى أن فيها مخالفة للسنة ومحاربة لله ورسوله، وأن حضور ذلك تكثير لأهل البدع والضلالات، فلا أدري من هو الذي وقع في الضلال المتفق على ضلاله؟ ومن هو الذي فعل المنكر المتفق عليه؟ هل الذين اجتمعوا في بيت الميت للتعزية المشروعة؟ أم الذين قاطعوا أرحامهم وأهلهم واتهموهم بالبدعة والضلالة، فتركوا تعزيتهم وتسليتهم في مصائبهم، وفاتهم أجر عظيم بسبب ذلك، {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}[محمد:22].
وعليه فمن جلس للعزاء فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى إذا خلا ذلك عن المنهي عنه الذي يقع في بعض البلاد جهلا أو تهاونا، ومن ترك الجلوس لا ينكر عليه، لأن المسألة من مسائل الخلاف التي تتسع لها الصدور المؤمنة ولا تضيق.
ولأن الإنكار في مثل هذه المسألة ليس من عمل السلف الصالح وإنما هو أمر محدث أحدثه الناس في الأزمان المتأخرة. فعلى طلبة العلم أن ينتزعوا هذا الإنكار المحدث من مجتمعاتهم، وأن يعيدوا الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح من عدم الإنكار في مسائل الخلاف، والحمد لله رب العالمين.
صفحة ٥٧