كلام ابن القيم
قال الشيخ ابن القيم:
ويدل على هذا أيضا ما جرى عليه عمل الناس قديما وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة وكان عبثا، وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتج عليه بالعمل.
ويروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل: يا فلا بن فلانة -الثانية- فإنه يستوي قاعدا، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فيقول: أرشدنا رحمك الله، ولكنكم لا تسمعون، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته؟ ويكون حجيجه الله دونهما، فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: ينسبه إلى أمه حواء)).
فهذا الحديث إن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به، وما أجرى الله سبحانه العادة قط أن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولا وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لا ينكره منكر منها، بل سنه الأول للآخر، ويقتدي فيه الآخر بالأول، فلولا أن المخاطب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه.
وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر جنازة رجل فلما دفن قال: ((سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل))، فأخبر أنه يسأل حينئذ وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين.
صفحة ٤٦