وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمرو بن العاص: ((لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه، أو تصدقتم عنه، أو حججتم عنه بلغه ذلك)) وهذا عام في حج التطوع وغيره، ولأنه عمل وبر وطاعة، فوصل نفعه وثوابه كالصدقة والصيام والحج الواجب، وقال الشافعي: ما عدا الواجب والصدقة والدعاء والاستغفار لا يفعل عن الميت ولا يصل ثوابه إليه لقول الله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له))، ولأن نفعه لا يتعداه فاعله فلا يتعدى ثوابه. وقال بعضهم: إذا قرئ القرآن عند الميت أو أهدي إليه ثوابه كان الثواب لقارئه ويكون الميت كأنه حاضرها وترجى له الرحمة.
ولنا ما ذكرناه وأنه إجماع المسلمين فإنهم في كل عصر ومصر يجتمعون ويقرءون القرآن ويهدون ثوابه إلى موتاهم من غير نكير، ولأن الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)) والله أكرم من أن يوصل عقوبة المعصية إليه ويحجب عنه المثوبة، ولأن الموصل لثواب ما سلموه قادر على إيصال ثواب ما منعوه، والآية مخصوصة بما سلموه، وما اختلفنا فيه في معناه فنقيسه عليه، ولا حجة لهم في الخبر الذي احتجوا به فإنما دل على انقطاع عمله، فلا دلالة فيه عليه، ثم لو دل عليه كان مخصوصا بما سلموه، وفي معناه ما منعوه، فيتخصص به أيضا بالقياس عليه، وما ذكروه من المعنى غير صحيح، فإن تعدي الثواب ليس بفرع لتعدي النفع، ثم هو باطل بالصوم والدعاء والحج وليس له أصل يعتبر به. والله أعلم.
صفحة ٢٦