تحكيم العقول في تصحيح الأصول
تصانيف
ثم من شرطها أن يتلافى كل ما أمكن تلافيه، فيقضي الصلوات والصيام والزكاة والكفارات والنذور وكل واجب تركه أو فرط فيه، ويرد المظالم ويقضي الديون إن أمكن، فإن لم يكن عنده ما يقضي عزم على ذلك عند تيسيره، وإن كان عليه قتل عرض نفسه للقصاص في العمد والدية في الخطأ، وإن كان جراحا فيه قصاص أو دية، وكذلك لو كان ضرب أو سب اعتذر في ذلك، وإن كان اعتقاد فاسد ولم يضل أحد فيبين وإن أضل قوما وجب أن يبين ويصلح، كما قال تعالى: ?إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا?[البقرة:160]، وإن كان أوقع بينهم شبهة حلها، وإن علم أن غيره يقوم بذلك جاز أن لا يفعل إلا أن يغلب على ظنه أن تأثير قوله أكثر فيجب عليه حينئذ.
فإن قيل: فإذا كان فاعلا لشيء يظنه حسنا أو يعتقد شيئا يظنه حقا كيف يتوب؟.
قلنا: يتوب من كل قبيح وترك واجب فيدخل فيه الجميع.
فإن قال: فإن لم يعلم ما عليه من التبعات كيف يفعل؟.
قلنا: يعمل على غالب ظنه، ولا بد أن يخطر الله تعالى بباله جملة ما لزمه من ذلك إن لم يكن ذاكرا.
فإن قيل: فإن لم يعلم صاحب الحق أو علمه ومات؟.
قلنا: في الميت يؤدى إلى قرابته إن كانوا، وإن لم يعلم يتصدق على المساكين عنه بشرط أنه إذا علم ولم يجز الصدقة ضمن، كما يفعل في اللقطة.
فإن قيل: فإذا تاب ثم عاد ثم تاب ثانيا وثالثا كيف يكون؟.
قلنا: إذا أتى بشرائطها تقبل وما قبل ذلك من الثواب والعقاب لا يعود، فالعقاب صار مكفرا بالتوبة والثواب محبط بالفسق.
فإن قيل: فهل يجب قبول التوبة؟.
قلنا: نعم، القرآن ورد بذلك؛ ولأنها بمنزلة الاعتذار ولأنه لا طريق للمكلف إلا التوبة في إسقاط العقاب، فلو لم يجب قبولها لقبح التكليف.
صفحة ١٩٦