تحكيم العقول في تصحيح الأصول
تصانيف
ويقال لهم: ما تقولون: إن العرب على ما هم عليه من الأنفة والحمية انقادوا له، وبذلوا المهج في نصرته، وفي خلاف عشائرهم ودياناتهم من غير معجزة ظهرت منه ولا طالبوه بها؟.
فإن قالوا: نعم، قلنا: فهذه معجزة أخرى، وإن قالوا: لا، قلنا: فلا معجزة أظهر من القرآن.
فإن قيل: فلم قلتم إن دواعيهم كانت متوفرة للمعارضة؟.
قلنا: لا شيء يدعو إلى فعل ويصرف عن تركه إلا وقد تم، حتى لو قلنا أنهم صاروا كالملجئين إلى معارضة القرآن لو قدروا صح.
فمنها: إنه ادعى النبوة والرسالة.
ومنها: إنه ادعى الرئاسة عليهم.
ومنها: إنه دعاهم إلى الانقياد له وهم نظراؤه في النسب، والمنافسة بين الأقارب أكثر.
ومنها: إنه عاب دينهم.
ومنها: إنه كفرهم وذم آباءهم.
ومنها: إنه عاب آلهتهم.
ومنها: إنه أوعدهم بالقتل والسبي إن لم يؤمنوا به.
ومنها: إنه أوعدهم بتغنم مالهم.
ومنها: إنه أوعدهم بعذاب دائم في مخالفته إلى غير ذلك من الوجوه.
وكل واحد منها يدعوا إلى إيراد المعارضة، ثم كانوا عليه من المعاداة له وإيذائه وإيذاء أصحابه حتى احتاج إلى الهجرة، ثم نسبتهم إياه إلى الجنون ومرة إلى السحر ومرة إلى الكذب، ثم عدولهم إلى قتاله وبذل المهج والأموال، ثم قتلهم في مقام بعد مقام وظهور دينه، وكل ذلك يبين صحة ما قلنا: إن الدواعي كانت متوفرة.
فإن قيل: ولم قلتم: إنهم لم يعارضوه؟.
قلنا: لو كان ثم معارضة لنقلت؛ لأن جميع ما ذكرنا من الدواعي إلى المعارضة كانت دواعي إلى النقل.
صفحة ١٧٥