تحكيم العقول في تصحيح الأصول
تصانيف
فإن قالوا: لا كابروا العقول، ويلزمهم أن يصح العفو عن جميع ما لا يقدر عليه، حتى يقال إن ملك الروم عفى عن أهل الإسلام، وأن كل واحد من الرعية عفى عن الملك وهذا تجاهل ، وإن قالوا: نعم، تركوا أصلهم.
ويقال لهم: ما تقولون في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله - من المهاجرين والأنصار، وفي العلماء والأئمة والزهاد بعدهم، أزهدوا فيما لم يقدروا عليه؟ أو زهدوا فيما قدروا عليه؟.
فإن قالوا بالأول، قلنا: كيف يمدح في الزهد فيما لا يقدر عليه؟ ولو قدروا ما زهدوا، ويجب أن يكون أزهد الناس الفقراء، وإن قالوا بالثاني تركوا قولهم.
ويقال لهم: ما تقولون في فيل يحمل ألف من جملة يقدر على حمل خردلة؟ فإن قالوا: نعم، تركوا قولهم، وإن قالوا: لا، كابروا ودفعتهم العقول.
فإن قالوا: كيف يصح أن تكون قدرة ولا فعل، ولو جاز وقتا لجاز أوقاتا حتى تبقى دهورا لا يفعل بها.
قلنا: كما يصح أن يكون قادرا لا يفعل، وبعد فمع فقد الدواعي يصح أن لا يفعل، فأما مع الدواعي فيجاز الفعل، وقل ما يخلو الحي من داعي.
فإن قيل: إذا وجدت القدرة وفعل في الثاني مع عدم القدرة فيلزم أن يفعل بقدرة معدومة.
قلنا: إنما يفعل ثم بقدرة موجودة، وفي حال وجود الفعل عدمت القدرة وهو لا يفعل.
ويقال لهم: ما تقولون في تكليف ما لا يطاق، أليس تقرر في عقل كل عاقل قبح أمر الغير بما لا يقدر عليه؟.
فإن قالوا: لا، كابروا، وإن قال: نعم ولكن ذلك يقبح في الشاهد دون الغائب.
قلنا: إنما يقبح لكونه تكليفا لما لا يطاق فيستوي فيه الشاهد والغائب، ولو جاز أن يختلف لجاز مثل ذلك في الكذب وإظهار المعجز على يدي كاذب وغير ذلك مما قدمناه.
ويقال لهم: أيجوز تكليف العاجز؟.
صفحة ١٤٢