تحكيم العقول في تصحيح الأصول
تصانيف
مسألة في الاستطاعة وأن تكليف ما لا يطاق لا يجوز
الذي يقول مشايخ التوحيد والعدل: إن القدرة تتقدم الفعل ولا توجبه، بل يصير القادر بها قادرا ثم هو إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وتتعلق بالمثلين والضدين والمختلفين، وأنها باقية، وأن الكافر قادر على الإيمان، والمؤمن قادر على الكفر، ولا يكلف الله عبدا ما لا يطيقه.
وزعمت المجبرة: أنها مع الفعل لا تتعلق إلا بمقدور واحد دون المثلين والضدين والمختلفين واحد لا يقدر على شيئين، الكافر لا يقدر على فعل الإيمان والمؤمن لا يقدر على الكفر.
والكلام يقع في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن الاستطاعة قبل الفعل غير موجبة له وتتعلق بالضدين، وأن تكليف ما لا يطاق لا يجوز.
فيقال لهم: أليس الواحد منا مع سلامة الأحوال يجب وقوع أفعاله بحسب قصده وداعيه واختياره، وانتفاؤه بحسب كراهته حتى إذا أراد الأكل وكره المشي يقع الأكل ولا يقع المشي.
فإن قالوا: لا يجب كابروا العقول، وإن قالوا: نعم.
قلنا: فالداعي قد يدعوه إلى أن يفعل الشيء وإلى أن يفعل ضده على البدل، فإذا لم يقدر على الضدين كيف يتم القول بما تقدم.
ويقال: هل فرق بين المضطر وبين المختار؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فإذا كان كل واحد منهما لا يقدر على خلاف ما هو عليه ولا يمكنه الانفكاك عنه فأي فرق بين حركة الشرايين وحركة اليد؟!
ويقال لهم: هل يتصور أن يقدر على تحريكه يمنة ويسرة مع سلامة الأحوال؟ فلا بد من: بلى، فيقال له: فإذا جاز والقدر عليهما يختلف فيجب أن يجوز وعندهم لا يجوز.
صفحة ١٣٥