تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته

ابن القيم الجوزية ت. 751 هجري
92

تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته

الناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

مكان النشر

دار ابن حزم (بيروت)

تصانيف

الحديث
قطعًا. ومنازعونا يقولون: مثل هذا السجود حرام، فكيف يمدحهم ويُثني عليهم بما لا يجوز؟! فإن قيل: شرعُ مَن قبلنا ليس بشرع لنا. قيل: قد احتجَّ الأئمةُ الأربعةُ بشرع مَن قبلنا، وذلك منصوص عنهم أنفُسِهم في غير موضع. قالوا: سلمنا، لكن ما لم يَرِد شرعُنا بخلافه. قال المُجوِّزون: فأين ورد في شرعنا خلافُه؟ قالوا: وأيضًا فأفضل أجزاء الصلاة وأقوالها هو القراءة، وتُفْعَل بلا وضوء، [ق ١٠] فالسجود أولى. قالوا: وأيضًا فالله ﷾ أثنى على كُلِّ مَن سَجَد عند التلاوة، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾ [الإسراء: ١٠٧]، وهذا يدلّ على أنهم سجدوا عَقِب تلاوته بلا فصل، وسواءٌ كانوا بوضوء أو بغيره؛ لأنه أثنى عليهم بمجرَّد السجود عقب التلاوة، ولم يشترط وضوءًا. وكذلك قوله تعالى: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨]. قالوا: وكذلك سجود الشكر مستحبٌّ عند تجدّد النّعَم المُنتظرة. وقد تظاهرت السنةُ عن النبي ﷺ بفعله في مواضع متعدّدة (^١)، وكذلك

(^١) منها حديث البراء ﵁: أن النبي ﷺ خرّ ساجدًا حين جاءه كتاب علي ﵁ من اليمن بإسلام هَمْدان. رواه البيهقي في "السنن": (٢/ ٣٦٩) وقال: "هذا إسناد صحيح، قد أخرج البخاري صدره فلم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه".

1 / 41