ولا يعني هذا اعتماد شيخنا على نقل علم أبيه فقط؛ فقد كان طالبا قارئا مطالعا، يقلب الآثار وينعم النظر في الكتب، وإن المطلع على مؤلفاته - رحمه الله - لينبهر بذلكم الكم الهائل من الكتب التي يذكرها، ولم يقتصر على مؤلفات أصحابنا الإباضية فحسب، وإنما اطلع حتى على كتب المخالفين، ودليل ذلك أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا لتحقيقه، بناه على كتاب «العوامل المائة» للجرجاني ، وهو من غير الإباضية - كما أن لشيخنا تعليقات على كتاب «الجامع الصغير» للسيوطي ، وهي موجودة في مجلد ضخم، يربو على سبعمائة صفحة ، وهو يذكر في مؤلفاته الكثير من المصادر والمراجع التي تدل على أن الرجل ليس بالهين في المطالعة والقراءة، ولعل مما ساعده على ذلك تلك المكتبة الضخمة التي كان يمتلكها والده - رحمه الله - والتي أحرقت من بعد ، حيث قيل: إنها تضم من الكتب ما يزيد على ستة آلاف كتاب ، وهو لعمر الله عدد ليس باليسير، خاصة في ذلك الوقت الذي عاشوا فيه.
أما الناحية العملية:
فهي ممارسته العميقة للحياة نتيجة مداخلته مجتمعه، وخوضه غمار أحداث عصره، وخاصة الأحداث السياسية التي ضربت المجتمع في الصميم، فمزقته أشلاء مشتتة، تناثرت فيه القبائل، وعادت الأحوال إلى عصر الجاهلية، من جهة التناحر والصراع لأتفه الأسباب، حتى غدا الرجل لا يأمن على نفسه أو أهله أو ماله، فهو عرضة للبطش والسلب من قبل قبائل أخرى .
وفيما يخص أسرة الشيخ ناصر، فقد كانت ترزح تحت وطأة مضايقات أحد ولاة السيد سعيد بن سلطان (¬1)
¬__________
(¬1) السيد سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد، حكم عمان لفترة طويلة استمرت خمسين عاما وقيل أكثر.انظر: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مرجع سابق . 2/ 205. =
=وقد فصلت التحفة الأحداث الواقعة في حياة السيد سعيد بن سلطان، وما ذكرناه مجرد نبذة مبسطة بالقدر الذي يؤدي الغرض، فقد أعرضنا - مثلا - عن ذكر الوقائع التي حدثت بسبب دخول الدولة الوهابية السعودية إلى عمان، وما يتعلق بأسرة الشيخ ناصر في ذلك، ويعد كتاب التحفة المصدر الوحيد الذي ذكر هذه الأحداث، وما سواه من الكتب ناقلون عنه، وقد يضيفون عليها شيئا من التحليل، أو تسجيل بعض الملاحظات على هذه الأحداث ، لا غير .
صفحة ٧