باب البيان عن حثه على الإتباع في الأجوبة بكل مكان
قال الميموني: قال لي أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم بكلمة واحدة ليس لك فيها إمام.
وقال حرب بن إسماعيل: قلت: الرجل يفسر إعراب القرآن فيقول: (الحمد لله). رفع لأنه ابتداء. وقل: جزم لأنه أمر. ﴿والتين والزيتون﴾، ﴿والنازعات﴾ قسم، ونحو هذا؟ قال: إذا كان شيئا قد تكلم فيه من قبل، رجوت.
وقال المروذي: قلت: من حلف أن لا يتكلم فقرأ؟ قال: دعها. قيل له إن عبد الوهاب قال: يحنث وقد أجاب؟ فتبسم أبو عبد الله وقال: حاطه عبد الوهاب موضع الفتيا.
قيل له: فما اختلف في يمينه؟ قال: أيش الناس يختلفون في الفقه هو موضع وتطاير هذا يكثر كل بالحث من أبي عبد الله ﵁ على الإتباع وإنه لا يقدم على جواب لم يسبق به، وأن لا يحدث مذهبًا لم يتقدم به.
1 / 17
وليس هذا من إمامنا على أنه أباح التقليد، ولا أنه منع من الاجتهاد عند الحادثة ويصير إلى موجب الدليل.
وقد اختلف أصحابنا في هذا الأصل ونظائره: فرأيت طائفة من أصحابنا يسلكون في كل المسائل في الفروع والأصول الوقف وأنه لا يفتى بشيئ إلا ما سبق به، وإلا وجب السكوت في ذلك. وطائفة ثانية فضلت فقالت: ما كان من الأصول فإنه لا يجيب في شيء إلا ما كان القول من الأئمة فيه سابقا وعلموا على ما نقل أبو طالب عن أبي عبد الله في الأعيان إن من قال: ملوق فهو جهمي. ومن قال أن غير مخلوق ابتدع وإنه يهجر حتى يرجع، وإن ذلك وعيد على مخالفة أمر لا يسع الجواب فيه، وإن كان من الفروع في الفقه فإنه يسع الجواب، وإن كان به منفردا.
قال أبو حامد رحمة الله عليه: والأشبه عندي أن سائر الفقه والأصول سواء، وأن له إيقاع الجواب عند الاضطرار ونزول الحادثة أنه يجتهد فيما يوجبه الدلليل بذلك وإن كان بالقول منفردا، كما أن إمامنا صار في الأصول إلى ظاهر التنزيل وإن خالفه الملأ أجمعون.
وقول إمامنا في كل مسائلة يحث على الإتباع للفضل. وما نقل عنه في الأيمان والألفاظ من قوله ابتدع، إنما ذلك بيان أنه أي الجواب لم يسبق به، وقد بين إمامنا رحمة الله عليه في القرآن أنه لا يشك ولا يوقف فيه، وأن القائلين بالحكاية والمحكى، واللفظ والملفوظ والتلاوة والمتلو زنادقة. فإذا ثبت هذا عنه بأن ذلك إنه إنما نهى عن الإجابة بأنه غير مخلوق إذا لم يسبق به في الجواب فيدخل في جملة المتكلفين، وعلى هذا كل الأصول في المذهب وبالله التوفيق.
1 / 18
باب البيان عن مذهبه في جواباته بالكتاب والسنة أو بقول الواحد من الصحابة
قال الحسن بن حامد: والمذهب أنه إذا سئل عن مسألة فأجاب بتلاوة أنه يقرأها وينسب إليه ذلك مفسرا. صورة ذلك ما قاله صالح وعبدالله قالا: قال أبي: طاعة الرسول ﷺ في نيف وثلاثين موضعا في كتاب الله تعالى، وقرأ الآيات. ونظائر هذا كل ما أجاب بتلاوة آية كاللعان أيضا بين الزوجين الكتابة والأمة. وكل جواب أبي عبدالله فيه بالآية يقطع على موجبها بما به نص.
قوله الأصل في ذلك أن السؤال لا غنية فيه عن الجواب، فإذا تلى آية كان ذلك مستخفيا به البيان عن موجب القضية، والدليل على ذلك موجب التنزيل وجوابات سيد المرسلين، ألا ترى إلى فصة اللعان حيث جاءه الرامي فقال له النبي ﷺ: حد في ظهرك. فأنزل الله تعالى آية اللعان، فدعاه النبي ﷺ وقال: ادع صاحبك. فدعاه فقرأ عليهما الآية.
1 / 19
ومن ذلك حديث عائشة ﵂: لقد جاءت المجادلة وأنا أسمع ما تقول، فأنزل الله ﷿: ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله﴾ فقال النبي ﷺ: ادعو لي صاحبك، فدعت ابن عمها فقرأ عليهما النبي ﷺ.
ومن ذلك قول للأعرابي: توضأ كما أمرك الله. ونظائر ذلك كلما يوقع جوابه بنص آية ليكون ذلك منه بيانا كافيا وحكما ماضيا، فإذاا ثبت هذا شرعا كان جواب إمامنا على ذلك الطريق به وبالله التوفيق.
مسألة: فأما الجواب بالسنة والأثر
صورة ذلك من مذهبه في أجوبته ما رواه صالح قال: سألت أبي عن الإمام إذا اطلع على رجل يفجر أيقيم عليه الحد؟ فحدثني أبي قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا حرب بن أسيد عن يحيى بي أبي كثير عن محمد بن عبد الله بن زبيد بن الصلت أنه سمع أبا بكر الصديق يقول: لو أحدث سارقا لأحببت أن يستره الله. فما أجاب بغيره.
وقال الأثرم: قلت له: الرجل انقطع شسع نعله، أيمشي في الأخرى؟
1 / 20
فقال: لا. حديث النبي ﷺ فذكر الحديث.
وقال أبو الحارث: قلت لأبي عبد الله: صدقة الخيل والرقيق؟ فقال: حديث النبي ﷺ: ليس على الرجل في عبده ولا فرسه صدقة.
وقال أبو النصر: قلت لأبي عبد الله: حديث النبي ﷺ لعبد الرحمن ولم يقل إذا رأيت خيرا منها فاستثنى.
والميموني: قال أبو عبد الله ﵁: بلغني أن أبا حنيفة كان يقول: لا نؤاخذ بما كان في الجاهلية. والنبي ﷺ يقول: نؤاخذ. حديث سفيان عن عبد الله.
والميموني: قال: لا يصلى على الغال. والنبي ﷺ لم يصل على الغال.
وقال الحسن بن محمد بن الحارث: سئل أحمد عن رجل يؤم قوما،
1 / 21
فخالف أحاديث جاءت عن النبي ﷺ؟ قال: أخبره وعلمه، فإذا أخبرته عن النبي ﷺ فلم يقبل فاهجره.
وقال صالح: قال أبي: الذي يذهب إليه ابن عمر عن النبي ﷺ يعني بالرفع في الصدقة. ونظائر هذا يكثر نقله عنه.
فما سئل عنه فيجيب بالحديث أو يفتي ويستدل فيه بالحديث أو يسأل عنه فيروي فيه الحديث عن النبي ﷺ فكل ذلك مذهب له صريح بمثابة ما يفتي به من قبله سواء وأنه يراعى فيه ظاهر الحديث الذي احتج به، فيكون ظاهر موجب الخبر، وهذا مذهب أصحابنا كافة لا أعلم بينهم فيه خلافا. والأصل في ذلك ما قدمنا من الاحتجاج بالآية، وكذلك الاحتاج بالسنة أو الجواب بالسنة كالآية سواء.
ومن أول الأشياء أن الصحابة كذلك أفتت وبالأخبار تعلقت من حيث ثبت عن أبي بكر الصديق ﵁ القضاء في أهل الردة فقالوا: كيف نقاتل وقد قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.
ومن ذلك ما يكثر اختلافهم في الماء من الماء وما جانس ذلك.
1 / 22
فإذا ثبت هذا علمت أن الجواب بالأثر بمثابة نص الفتوى.
وقد ثبت أيضا أن الفقيه إذا سئل عن حكم فأفتى بالخبر، فإنه إيذان ببيان الحكم لا أنه لم يتبين عن الحكم فإذا ثبت هذا علمت بذلك صحة ما ذكرناه، ولا أعلم في هذا أيضا خلافا إلا شيء شذ به بعض المتأخرين فقالوا: إنه لا يحتج بالخبر على إتيانه لمن أفتى به مذهبا إذ الخبر قد يرده، وإذا سئل عنه فسر وبين، فإذا ثب هذا بطل أن ينسب إليه بذلك مذهبا. وهذا قول بعيد عن الإصابة، إذ من شأن الفتوى ثبوت الجواب بما يوصل إلى القضية في الأحكام، فإذا ثبت الاقتصار على الأثر استقر بذلك موجب الجواب بغير تدافع.
1 / 23
فأما الجواب عن الذي قالوه من أنه قد يسأل عن الخبر فيفسره بتفسير يخالف ظاهره، فذلك لا يضر بالأسئلة في جوابه قد يرد مطلقا، فإذا سئل عنه فسره ألا ترى أنه سئل عن الأضاحي؟ فقال: يأكل. فقال له: يأكلها كلها؟ فقال: لا، يأكل ثلثا. وليس تفسيره لجواب قد أطلقه دليل على أن جوابه النطق لاتفاق به، وكذلك في الأخبار إذا احتج بظاهرها وجب إجراء مذهبه بموجب الظاهر إلا أن يقارب ذلك التفسير وبالله التوفيق.
مسألة: فأما الكلام في جوابه فظاهر مقالة الصحابة
صورة ذلك: ما قاله صالح قلت لأبي: صلاة الجماعة؟ قال: أخشى أن تكون فريضة. يروى عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر. وذكر حديث عائشة.
1 / 24
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عمن حلف بسورة من القرآن؟ فقال: قال ابن مسعود: عليه بكل آية يمين. قلت: ما تقول أنت؟ قال: أسق قولي هذا ابن مسعود يقول هذا.
وقال ابن منصور: قلت ذاك والله لا يؤدي يعني حديث ابن عمر. فقال: إذا قامت البينة.
وقال في الجارية يستثني ما فيه بطنها إذا عتقها؟ قال: قد روي عن ابن عمر أنه بعده. قلت: تذهب إليه؟ قال: نعم، ولا أذهب إليه في البيع.
وقال المروذي: قلت يؤذن وهو قاعد؟ قال: قد روي عن رجل من أصحاب النبي ﷺ.
وقال ابن منصور: قلت: نذر أن يطوف على أربع؟ قال: قال ابن عباس: طوافا لليدين وطوافا للرجلين.
قلت: حديث علي في الزينة؟ قال: ما أعلم شيئا يدفعه.
ونظائر هذا يكثر بكل ما فيه جوابه بالخير، واستند إلى أثر عن الصحابة أو قضاء مأثور عن الصحابة وكل مستحق نسبه المذهب إليه من حيث ظاهر ما رواه واعتمد عليه وارتضاه يشابه ما قدمنا من الحكم في جوابه بالسنة عن النبي
1 / 25
ﷺ لا غير ذلك والطريق فيه أن الفقيه لا غنية له عن البيان فيما يسأل ولا يسعه أن يوقع جوابا إلا من حيث نصه، ولا يفتي بما لا يصح له، فإذا ثبت هذا بأن بذلك أنه قصد ما رواه هو ما ثبت من ظاهر قصد بقول الصحابة ﵃ بلقائه جوابه بالسنة وبالله التوفيق.
1 / 26
باب البيان عن مذهبه بالأثر إذا بيّنه والقول من الصحابة إذا دوّنه من غير جواب به ولا توثيب فيه ولا رد له
قال الحسن بن حامد ﵀: كل ما بيّنه إمامنا ﵁ من الأثر وصحّ به السند عن الصحابة له نقل من غير رد ولا نكير فذلك بأسره عندي ثابت في مذهبه بمثابة جوابه نطقا.
والأصل الدليل على هذا من مذهبه ما رواه عنه الميموني قال: قال أبو عبد الله: إذا كان الكتاب والسنة فهو الأمر.
وقال المروذي قال أبو عبد الله: نحن نسفك الدماء بهذه الأخبار الصحاح، فإذا ثبت الخبر قلنا به. وفي هذا بيان عن مذهبه أنه إذا كان في القضية خبر كان ذلك مذهبًا له، وأنه قائل به. وهذه طريقة عامة شيوخنا، وأن ما وجد عن أبي عبد الله فيه رواية الأثر من غير رد ولا جواب يضاره جعلوا ذلك له مذهبًا، وهذا مذهب المروذي والأثرم وصالح وعبد الله، وأنهم يعتمدون في مذهبه على ما بينت من أحاديثه.
وأما ارتضاء طريقه فقال المروذي في كتابه أبواب عدة وما ذكر فيها إلا ما رواه فقال في باب القيام عن ركعتين: حدثنا أحمد قال ثنا يزيد بن هارون قال: أنبأ المسعودي عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلمّا صلى ركعتين قام ولم يجلس، فسبح به من خلفه فأشار إليهم أن قوموا. . الحديث.
1 / 27
ومن ذلك ذكر عنه الجهر والإخفاء فذلك ابن عباس ونظائر ذلك كثير.
وخالف في ذلك طائفة من أصحابنا فقالوا به لا يجوز أن يُنسب إليه بروايته الأخبار مذهبًا له، وتابعهم على هذا جماعة الشافعيين فقالوا: لو جاز هذا جاز أن ينسب أهل الآثار ومن دون الأخبار أنه بالفقه مختص وله قائل. قالوا: من جوّز أن ينسب إلى قائل مذهبًا جاز أن ينسب إلى ساكت مذهبًا.
وأيضًا فإن الفقيه ليس من حيث الخبر إذ قد يكون ما يأتي من الخبر له تأويل عنده إذا سئل عنه أظهره. قالوا: فإذا ثبت لهذا وجب أن لا يجوز أن لا ينسب إليه مذهبًا.
وأيضًا: فإن أبا عبد الله قد أثبت صحة أحاديث لا يقال بها في مذهبه: حديث سهل بن سعد في النكاح على آيات من القرآن.
ومن ذلك ثبت الحديث: يدخل من أمتي سبعون ألفًا الجنة بغير حساب. قيل من هم؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون. ومع هذا لا ينفي ذلك الاسترقاء.
1 / 28
وأيضًا فلو جاز أن يثبت بروايته الخبر مذهبًا، كان إسقاط المذهب بالخبر الثابت إذا رواه جائزًا، فلمّا لم يسقط شيء من جوابه بالخبر، فكذلك لا يُثبت له جواب بالخبر.
وهذا كله فله وجه له، والدليل على صحة ما ذكرناه دلّ الكتاب والسنة ووجوه العبرة.
فمن الكتاب أن الله جل وعز نهى عن قول ما لا علم لقائله، وزجر عن
1 / 29
الكذب فقال تعالى: ﴿ولا تقفُ ما ليس لك به علم﴾ وقال جل وعز: ﴿قُتل الخرّاصون﴾. يريد الكذابين. وقد ثبت الأمر بما أمر الله به، والنهي عما نهى الله عنه فقال تعالى: ﴿قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾. وقال جل وعز: ﴿تلك حدود الله﴾ الآية. وما جانس ذلك مستحق به حظ الأمر والنهي من حيث النص ومن حيث العموم، وإن قوله تعالى: ﴿اقتلوا المشركين﴾. وقوله: ﴿والسارق والسارقة﴾. وما جانس العموم مستحق به الاستغراق للجنس والطبقة في كل حال، وما يتفرد بدا في الشريعة، فإذا ثبت هذا وكان عن أبي عبد الله جواب في الأحاديث والآثار بيان يطلق أنها له مذهب وجب أن يكون ذلك حيث وجدناه أن يقضى أنه بذلك قائل. وقد بينا عن أبي عبد الله في كتاب أحكام القرآن من كتاب الأصول وما يذهب إليه من الطرق في الأخبار وأقاويل الصحابة ومما قدمناه عنه ثم قد قررنا أن أبا عبد الله بالخبر في الحادثة أنه يُنسب إليه مذهبًا على عموم اللفظ، فإذا ثبت هذا وجب أن يكون من الأخبار إذا رآها وارتضاها بمثابة فتواه ما يوجبه نص قوله فيها.
ومن أدل الأشياء إنا وجدنا الفقيه إذا بيّن عن علته في جواب مسألة أو كان مبنيا على أصل له فإنه ينسب إليه كل ما أوجبه نص إعلاله، فإذا ثبت هذا وجب إن يكون ما بيّنه لنا من أصله في الأخبار أن ينسب إليه كل ما ارتضاه إذا لم يكن منه دفع له ولا إنكار.
1 / 30
فأما الجواب عن الذي قالوه من أنه يلزم أن ينسب إلى الساكت مذهبًا فذلك لا يضرنا، إذا الساكت على ضربين: ساكت في معنى الناطق وهو أن يكون سيأخذ حصره بالدين مختصا فلا ينكره ولا يغيره فذلك ينسب إليه القوله به حتما بما قلناه في الصحابة إذا سكتوا على حادثة قائلة يُنسب إليهم من ذلك جوابا أو مذهبا فإذا أشبه هذا بأن طريقة إمامنا فيما رواه وارتضاه مذهبا ثبتا.
جواب ثان: وهو إنا نقول كل شيء سكت عنه نسبناه إليه لا غير ذلك.
وأما الجواب عن الذي قالوه من أن الخبر قد يرويه، فإذا سئل عنه يبين فيه عما يوجبه نطقه فذلك باطل، إذ بهذا بعينه ينقلب في احتجاجه بالخبر قدر مما سئل عنه فقال: لا أقول به، ويجيب بجواب مطلق فإذا سئل عنه ترك بعضه وأخذ ببعضه، وكل لا ينفي كون المذهب مهما أقام على إطلاقه فكذلك في الأخبار سيان.
وأما عن حديث سهل بن سعد وغيره لم ينسب إليه مذهبا به فذلك لا يتضرر إذ كل منقول عنه ترك الأخذ بها، وقد بيّن في حديث سهل أنه لم يعمل عليه لأنه قد قابله ما منع من المصير إليه، وكذلك في حديث الرقى بيّن أنه جائز الاسترقاء، وأن الخبر مُتأول، فما كان من الأخبار عنه فيها التنكر رددناها، وما لم ينقل عنه فيها نكير قبلناها، وإذا ثبت هذا كان ما ذكرناه سالما.
وأما الجواب عن الذي قالوه من أنه لو جاز أن ينسب إليه مذهبا لروايته الأثر لأسقط مذهبه بالأثر، فذلك فاسد إذا ما ثبت عنه فيه الجواب ثبت أنه في بابه أصلا لم يجز لنا إدخال سنة عليه فور أن هذا أن يكون عنه في الحادثة
1 / 31
التي فيها الخبر جوابا كافيا لا يلتفت إلى غير جوابه، فإذا لم يوجد جواب بالنص، فإن الجواب منسوب إليه من حيث الأخبار الذي قد بيّن لنا أنها مذهبه حيث كانت.
جواب ثان: وهو أن الإسقاط غير الإثبات، ألا ترى أن إسقاط واحد من الستة في الرمي غير جائز ولا ينفي ذلك أن يزيد على الستة غيرها من حيث كونها داخلة في مجرى الخبر أو دليله، فإذا ثبت هذا كان ما ذكرناه سالما وبالله التوفيق.
1 / 32
باب البيان عن مذهبه في الخبر إذا حسنه وارتضى سنده
قال الحسن بن ماجد: الأحاديث إذا ذكرها وبيّن ما هو مودع في ضمنها إذا كانت أحاديث يثبت بعضها وأنكر بعضها فإنه ينسب إليه المذهب من حيث ما بينه، وينفى عنه ما أنكره، وضعفه، صورة ذلك:
قال حنبل: قال أحمد: إني أخاف أن يصف حجم عظامها أيضا، هو حجم عظامها، وهذا إنما هو لحديث أسامة بن زيد كساني النبي ﷺ قبطية، كساه إياها وجُبة فكسوتها نسائي. فقال النبي ﷺ: مُرها تجعل تحتها غلالة لا تصف حجم عظامها.
وقال الميموني وغيره عنه في كتاب العتق: الأخذ بحديث ابن عمر ﵁ في عتق الشركاء وقال: ليس في الاستعساء حديث ثبت عن
1 / 33
النبي ﷺ.
1 / 34
ومن ذلك في الأضاحي إنكاره الحديث في الأبتر.
قال أبو طالب ثنا أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: لا بأس بالأبتر أن يضحى به قال: لم أسمع رواه غير شريك. قلت: أليس هو منكَر؟ قال: قد أخبرتك. ورواه وكيع عن شريك عن ليث عن مجاهد عن رجل عن ابن عمر. فقال: هذا من شريك وما شأنه هذا يكثر، فكل ما ضعفه وأنكر صحته قطع عليه بأنه لا يتدين به، وما ثبته وارتضى سنده، أو ثبت أحد ألفاظه في متنه كان ذلك له مذهبا. وهذا قريب على الأصل الذي ذكرناه من أنه قائل بالأثر متبع لما أوجبه ظاهر النقل بكل وجه وسبب، فإذا ثبّت خبرًا وبيّن عن الألفاظ في المتن حكمًا كان ذلك له مذهبًا وبالله التوفيق.
1 / 35
باب البيان عن نسبة المذهب إليه من حيث القياس
قال الحسن بن حامد ﵀: اختلف أصحابنا في ذلك فقال عامة شيوخنا مثل الخلّال وعبد العزبز وأبي علي وإبراهيم وسائر من شاهدناه أنه لا يجوز نسبته إليه من حيث القياس، وأنكروا على الخرقي ما رسمه في كتابه من حيث أنه قاس على قوله وذهب الأثرم والخرقي وغيرهما إلى الجواز لذلك. وقد نقل هذا عن الأثرم وأخبرناه أبو علي بن الصواف إجازة قال ثنا أبو عبد الرحمن قال: كان أبو بكر الأثرم يحلف إلى أبي عبد الله، ودلف العبادي من ولد عبادة بن الصامت، وكان العبادي يسأل والأثرم
1 / 36