كتاب الطهارة (ط.ق)

الشيخ الأنصاري ت. 1281 هجري
80

وهو التوحيد فقد حكى الله سبحانه في الآية الشريفة من تكاليف أهل الكتاب أهم أصول الدين وفروعه ومن تأمل نظاير الآية مما ذكر فيه العبادة على وجه الاخلاص مثل قوله تعالى قل الله أعبد مخلصا له دين وقوله تعالى فاعبدوا الله مخلصا له الدين الا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله إلى غير ذلك من الآيات ظهر له ما استظهرناه من إرادة التوحيد في مقابل الشرك واما الاخبار فحملها على ظاهر ممتنع وعلى نفى الصحة بمعنى ترتب الأثر موجب للتخصيص الملحق للكلام بالهزل الا ان يراد من النية مطلق قصد الفعل فيراد من الروايات ان الفعل الغير المقصود لا يعد من اعمال الفاعل لأنه صادر بغير قصده وارادته فان من أكرم رجلا لا يقصد انه زيد لم أكرم زيد بهذا العنوان من أفعاله الاختيارية فالعمل عمل من حيث العنوان المقصود دون غيره من العناوين الغير المقصودة لكن هذا المقدار لا ينفع فيما نحن فيه لأنا نطالب بدليل وجوب كون الوضوء بعنوانه الخاص عملا اختياريا للمكلف ثم لا يكتفى كغسل الثوب بحصوله من المكلف ولو من دون قصد لعنوانه يقصد الفعل بعنوان اخر فيتبعه حصول هذا العنوان من دون قصد فدعوى بقاء هذه الأخبار على ظواهرها من إرادة الحقيقة والتمسك بها لما نحن فيه خطأ فاحش مع أن إرادة ظاهرها يشبه الاخبار عن الواضحات مع أن في بعض تلك الروايات ما يمنع عن ذلك مثل قوله (ع) لاقول الا بعمل ولا عمل الا بنية ولا نية الا بإصابة السنة وفى اخر لا قول ولا عمل ولا نية الا بإصابة فالأظهر في هذه الأخبار حمل النبويين منها على إرادة نفى الجزاء على الأعمال الا بحسب النية فالعمل لا يكون عملا للعبد يكتب له أو عليه الا بحسب نيته فإذا لم يكن له نية فيه لم يكتب أصلا وإذا نوى كتب على حسب ما نواه حسنا أو سيئا واما قوله لا عمل بنية فالظاهر منه الا إرادة العمل الصالح وهي العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فيه ثم النية لغة وعرفا وشرعا (إرادة) الشئ والعزم عليه والقصد إليه ففي الصحاح نويت كذا إذا عزمت عليه وقد تضاف كالإرادة إلى محل الفعل المراد كما يقال أراد بي فلان بسوء أي أراد السوء بي ومنه ما في المنتهى انه يقال نواك الله بخير أي قصدك وهي مقارنة للمراد تارة ومنفصلة عنه أخرى بان يكون مقيدا بأمر مترقب كما إذا أراد السفر غدا وقد يدعى صيرورة النية حقيقة في إرادة الفعل الغير المقيد بقيد مترقب فيلزم المقارنة للدخول فيه فيكون النية أخص من الإرادة لكن هذه الدعوى لم يثبت وان ادعاها غير واحد قال في المبسوط ووقت النية عند أول جزء من الصلاة واما ما يتقدمها فلا اعتبار بها لأنها يكون عزما انتهى وظاهر اخر العبارة مغايرة النية للعزم وعن فخر الدين قده في الايضاح التصريح بان النية حقيقة في الإرادة القارنة وفى الذكرى ان الإرادة المتقدمة عزم لا نية وعن فخر الدين قده أيضا في رسالته النية انه عرفها المتكلمون بأنها إرادة من الفاعل للفعل مقارنة له والفرق بينه وبين العزم انه مسبوق بالتردد دونها ولا يصدق على إرادة الله انها نية فيقال أراد الله ولا يقال نوى الله وعرفها الفقهاء بأنها إرادة ايجاد الفعل المطلوب شرعا على وجهه انتهى وظاهر كلامه عموم تعريف الفقهاء للمقارن وغيره الا ان أيريد بيان للمغايرة من حيث المتعلق فقط وحينئذ فيمكن ان يحمل على تحديد النية الصحيحة كما نريهم يأخذون شرايط الصحة في تحديد غيرها من العبادات و والمعاملات ويحتمل ان يبنى على وضع هذه اللفظة عند الشارع أو المتشرعة للصحيحة كغيرها من ألفاظ العبادات بل المعاملات عند جماعة ثم وصف الإرادة بأنه تفعل بالقلب توضيحي إذ لا محل لها غيره ويمكن تعريضا على من استحب التلفظ بها كما عن بعض الشافعية أو أوجبه ويمكن ان يحترز عن إرادة الله سبحانه فإنها لا تسمى نية وقد تقدم عن المنتهى نواك الله بخير فراجع وتأمل ويمكن ان يكون إشارة إلى أن النية هي الإرادة التفصيلية التي تعد فعلا للقلب وهي التي يجب في أول كل عمل كما هو صريح المشهور دون الامر المركوز في الذهن الموجود في الذهن في أثناء العمل وهي التي تعبر عنها المتأخرون بالداعي ويجعلونها النية كما حكى ذلك عن المحقق الأردبيلي وشيخنا البهائي والمحقق صدر الدين الشيرازي والمحقق الخونساري وجماعة ممن تأخر عنهم بل استقر عليه المذهب في هذا العصر توضيح محل الخلاف انه لا خلاف بين العقلاء في أن الفعل الاختياري لابد وان يسبقه متصلة به إرادة باعثة عليه منبعثة عن تصوره مشتملا على منفعة أو دفع مضرة ثم لا فرق بين الجزء الأول من الفعل ما عداه من الأجزاء في كون كل منها حركة اختيارية وفعلا اختياريا كالكل الا انه يكفي في اتصاف ما عداه بكونه أمرا اختياريا بما يبقى مركوزا في الذهن من التصور والقصد المنفصلين المذكورين المتعلقين بمجموع الفعل أولا وان شئت فسمه إرادة متصلة تستمر الحركة باستمرارها ولذا قال المحقق الطوسي قده في التجريد والحركة إلى مكان يتبع اراده بحسيها وجزئيات تلك الحركة يتبع تخيلات وارادات جزئية يكون السابق من هذه علة للسابق للعد لحصول حركة أخرى فتتصل الإرادات في النفس والحركات في المسافة إلى اخرها انتهى ثم المراد باجزاء الفعل ما كان مربوطا به بجامع بحكم العادة النوعية أو الشخصية مثلا إذا تصور المختار المشي إلى السوق لأجل شراء اللحم فقام للبس ثيابه وفعله كفى القصد المقتضى في أول قيامه واما لبس ثيابه وفعله فضلا عن أول جزء من المشي فيكفي فيها الامر المركوز في الذهن وان ذهل عن هذه الأفعال تفصيلا لكنها أفعال اختيارية صادرة عن قصد واختيار يترتب عليها الفعل الاختياري لو فرض صدوره من أوله إلى اخره بالقصد والتصور التفصيليين نعم لو لم يكن الحركة اللاحقة مرتبطة بالسابق لم يكتف بقصد المجموع في أول الأمر بعد تصوره فمن أراد شراء اللحم

صفحة ٨٠