كتاب الطهارة (ط.ق)

الشيخ الأنصاري ت. 1281 هجري
74

عن خصوص الريح قرينة على إرادة الغسل بالماء الذي لا يبقى معه في بعض الأوقات الا الريح بشهادة الريح الموجود في اليد وتوهم ان النقاء في كل شئ نجسه فاسد لان النقاء الواقع حدا ليس المراد به الطهارة الشرعية كيف وقد جعل في هذا الخبر مدا لها بل المراد به معناه اللغوي أعني النظافة المستعملة عرفا في زوال العين والأثر كما تقدم في رواية ابن أبي العلاء الواردة في غسل الثوب مرتين مرة للإزالة ومرة للنقاء واخرى في الأعم من زوال الأثر الصادق مع زوال العين فقط لكن بشرط القرينة مثل نسبة إلى الحجر فقط كما في قول الفقهاء إذا لم ينق المخرج بثلاثة أحجار وجب الزايد وقد عرفت ان شيئا من المعنين لا يلايم إرادة العموم من الاستنجاء هذا كله مضافا إلى معارضته بما دل على وجوب الثلاثة فيمكن حمل الحسنة على نفى التحديد في الطرف الزايد على الثلاثة إذا لم ينق بها ويحال التحديد في طرف الناقص على ما هو الغالب من عدم النقاء بما دون الثلاثة لكن الانصاف حينئذ ان حمل تلك الأخبار على الغالب من عدم النقاء بما دون الثلاثة أظهر فالعمدة ما عرفت من عدم عموم الرواية للاستجمار واما رواية يونس بن يعقوب فمورد السؤال فيها الوضوء وهو ظاهر في التطهر بالماء كما يدل عليه الرواية المتقدمة سابقا من أن الناس كانوا يستنجون ثم أحدث الوضوء وحينئذ فالمراد ذهاب الغايط بالماء وانما عبر فيه بالإذهاب وفى الذكرى بالغسل للاستهجان بذكر الدبر دون الذكر كما لا يخفى ان اللازم في تطهير المخرج هو الا ذهاب عينا واثرا دون مجرد الغسل المجامع لبقاء الأثر أو للتوسع في العبارة وبالجملة فليس في العدول عن الغسل إلى الا ذهاب ظهورا في إرادة الا ذهاب ولو بالاستجمار ولو بحجر واحد بحيث يزاحم ظهور لفظ الوضوء في إرادة التنظف بالماء مع أن المزاحمة كافية في سقوط الاستدلال ويحتمل بعيد الإرادة الطهارة من الحدث بقرينة قوله لمن جاء من الغائط الظاهر في الفراغ عن الاستنجاء فيكون ذكر غسل الذكر واذهابه تطفلا لكن لا يناسبه الجواب عن الوضوء المفترض بقوله ثم توضأ مرتين مرتين فان التعدد في الغسلات غير واجب اجماعا بل الخلاف في جوازه مع أن ذكر الاستنجاء تطفلا يخرج الاطلاق عن قابلية الاستدلال لعدم سوق الكلام لبيان تفاصيله نظير قوله إذا فرغت من الاستنجاء فافعل كذا وإذا نسيت الاستنجاء فأعد صلاتك في عدم جواز التمسك باطلاق لفظ الاستنجاء في هذا الكلام ومن ذلك يظهر فساد ما وقع من التمسك في المقام باطلاقات الاستنجاء بناء على ما في الصحاح والقاموس من الإشارة إلى المعنى المعهود عرفا لهذا اللفظ وهو الغسل بالماء أو المسح مطلقا كما في الصحاح أو بالحجر كما عن القاموس مع أن اللازم عليه ان يجعل المسح بغير الحجر خارجا عن مسمى الاستنجاء تبعا للقاموس وكذا غسل مخرج البول خارجا عنه لغة فيعلم من ذلك كله ان لا اعتبار بمثل هذه الاطلاقات والتقييدات في كلام أهل اللغة المسوقة للإشارة إلى المعنى المعهود أو كلام الشارع أو الفقهاء المسوق لذلك بل نزل تقييداتهم على ذكر الفرد الغالب من باب المثال واطلاقاتهم على الإشارة إلى المعنى المعهود المعلوم تفاصيله من مقام اخر ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بعدم التحديد بالثلاثة وكفاية ما يحصل به النقاء كما يحكى عن ظاهر جماعة ممن تقدم على المحقق كابن حمزة وابن زهرة والقاضي وصريح جماعة ممن تأخر عنه كالعلامة في المختلف وصاحبي المدارك والذخيرة وغيرهما وحكاه في السرائر والتذكرة والروض عن المفيد والموجود في المقنعة في باب التيمم قوله فإن كان حدثه من الغايط استبرأه بثلاثة أحجار طاهرة لم تستعمل في إزالة نجاسة قبل ذلك يأخذ منها حجرا فيمسح بها مخرج النجو ثم يلقيه ويأخذ الحجر الثاني فيمسح به الموضع ويلقيه ويمسح بالثالث ولا يجوز له التطهير بحجر واحد انتهى واعلم أن ظاهر المعتبر و المنتهى عدم الفرق بين الحجر وغيره في عدم الاكتفاء بالأقل من ثلاث مسحات ولولا ذلك أيضا لكفى الأصل في لزوم التعدد فيه بناء على أن المذكور في الاخبار بلفظ الواحد كالكرسف والمدر والعود ونحو ذلك يراد به بيان الجنس وليس في مقام بيان المقدار الكافي نظير قولهم لا يجزى في البول الا الماء ثم إن المناسب للقول المشهور ما تقدم من المفيد قده ووافقه المصنف قده بل عن المفاتيح وشرحها نسبة إلى المشهور من أنه (يجب امرار كل حجر على موضع النجاسة) ليتحقق تكرار المسح المقصود من التثليث والا فلا فرق بين إزالة ما في موضع النجو بحجر واحد وبين توزيع الاحجار الثلاثة على اجزاء الموضع خصوصا مع كون ما في كل جزء منه أزيد من مجموع ما على الموضع في الصورة الأولى لكن الانصاف ان هذه مناسبة اعتبارية لا يصح الركون إليها بل يجب متابعة ظاهرا النص ولذا جوز كثير ممن قال بوجوب الثلاث جواز التوزيع استناد إلى اطلاق النص كما صرح بالحكم والمستند الشيخ والفاضلان والشهيدان بل عن الذخيرة انه المعروف من مذهب الأصحاب وقد نبه في المعتبر بعد جمعه بين وجوب التثليث على ما ذكرنا من الابهام والدفع بقوله قده لا يقال إذا قسمت الاحجار على المحل جرت مجرى المسحة الواحدة لان المسحة الواحدة لا يتحقق معها التعدد وبالجملة فما اختاره المصنف هنا هو الأقوى للأصل وعدم اطلاق بل الظاهر من اخبار التثليث بحكم الغلبة إرادة تكرار المسح على الموضع واما اطلاق النقاء في حسنة ابن المغيرة واذهاب الغايط في موثقة يونس فقد عرفت حاله ويؤيده قوله (ع) فيما تقدم من صحيحة زرارة جرت السنة في اثر الغايط بثلاثة أحجار ان يمسح العجان فان العجان المراد به هنا الدبر ظاهر في مجموعه ثم الظاهر لا كيفية في المسحات المتكررة نعم ذكر في التذكرة ان الأحوط ان يمسح بكل حجر مجموع الموضع بان يضع واحدا على مقدم الصفحة اليمنى ويمسحها به إلى مؤخرها ويديره إلى الصفحة اليسرى فيمسحها من مؤخرها إلى مقدمها فيرجع إلى الموضع الذي بدا منه ويضع الثاني على مقدم الصفحة اليسرى ويفعل به عكس ما ذكرنا ويسمح بالثالث الصفحتين والوسط انتهى ونحوه عن نهايته وعن الإسكافي انه جعل حجرا

صفحة ٧٤