كتاب الطهارة (ط.ق)

الشيخ الأنصاري ت. 1281 هجري
46

وجود المقتضى للانفعال الا ان الغليان مطهر له كما في العصير ومنها ما دل على نجاسة سؤر اليهودي والنصراني فإنه يشمل المضاف وكل مايع ثم إن مورد أكثر هذه الأخبار وإن كان ظاهرا في القليل الا ان المستفاد منها ان العلة في الانفعال هي الملاقاة للمايع ولو كان كثيرا بل يستفاد من أدلة اعتصام الكثير المطلق ان كرية الماء عاصمة والا فالمقتضى للانفعال في الكثير أيضا موجود كما يشهد بذلك استناد عدم الانفعال إلى الكرية فهى مانعة وإذا استند عدم الشئ إلى وجود مانعه دل على وجود المقتضى له ولذا كان استناد الفقير الذي لا يملك شيئا في ترك التجارة إلى خوف الطريق قبيحا عرفا بل كذبا لان ظاهر الاستناد إلى ذلك وجود المقتضى للتجارة فيه ثم إن تنجس المايع بالنجس يستلزم تنجس الجامد الرطب باعتبار ما عليه من الرطوبة إذ لا نعنى بنجاسة الثوب الا قيام رطوبة نجسة به فثبت ان كلا من المايع والجامد ينجس بملاقات النجاسة نعم هنا شك من بعض المتأخرين في تنجس الشئ بملاقات المتنجس الذي ليس معه نجاسة عينية بل قوى عدمه لاستظهار ذلك من بعض الأخبار و فيه منع الظهور ومعارضته بكثير من الاخبار مع كونه اجماعيا بل ضروريا عند المتشرعة بقى الكلام في أن السراير في المضاف على نحوها في المطلق فلا يسرى من السافل أولا بل عدم السراية في المطلق انما خرج عن عموم الملاقاة بالاجماع والضرورة قولان أظهرها وأشهرها الأول بل الظاهر أنه مذهب الكل عدا سيد مشايخنا في مناهله مدعيا شمول اطلاق فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم على انفعال المضاف بالملاقات لما إذا كان المضاف عاليا وفيه ان ظاهرهم تنجس المضاف مطلقا على نحو تنجس المطلق القليل بل الملاقاة في كلامهم غير معلوم الشمول لهذا الفرد خصوصا عند من لا يرى اتحاد العالي مع السافل وبالجملة فالقاعدة المتقدمة المستفادة من الاخبار أعني نجاسة المايع الملاقى للنجس لم يعلم شموله للاجزاء العالية من المايع الملاقى بعضه للنجس فلا حظها جميعا بل المركوز في أذهان المتشرعة عدم السراية ولذا استقرت سيرتهم على العمل على ذلك بل صرح في الروض بأنه لا يعقل سراية النجاسة من الأسفل إلى الاعلى وهو وإن كان ممنوعا الا ان دعويه كاشفة عن عدم وجدانه الخلاف في ذلك عن أحد من العقلاء فضلا عن العلماء هذا كله مضافا إلى الاجماع الظاهر من كلام غير واحد منهم الشهيد الثاني في الروض ومنهم السيد العلامة الطباطبائي في المصابيح في خصوص ماء الورد في منظومته حيث قال وينجس القليل والكثير منه ولا يشترط التغير ان نجسا لاقي عدا جار على الملاقى باتفاق من خلا وادعى صاحب المدارك القطع بعدم السراية ولا فرق عند التأمل بين دعوى القطع ودعوى الاجماع ودعوى التواتر التي ذكر المحقق الثاني انها لا تقتصر عن دعوى الاجماع ولم اقف على كلام في ذلك لمن قبلهم الا انه يمكن ان يستظهر من جماعة كالمحقق والعلامة وابن إدريس في مسألة إزالة الخبث بالمضاف عدم السراية حيث إنهم ذكروا من أدلة عدم جواز الإزالة بالمضاف ان ملاقاة المضاف للنجس يوجب تنجسه ولو كان العالي وما في الاناء منفعلا عندهم بملاقات النجاسة لكان أشنع في الزامه وأنسب بالذكر قال في المعتبر في بيان أدلة المنع الثاني ان ملاقاة النجاسة موجب للنجاسة والنجس لا يزول به النجس لا يقال لما ارتفعت النجاسة بالماء معا تنجسه بالملاقات فكذا المايع لأنا نمنع نجاسة الماء مع وروده على النجاسة كما هو مذهب علم الهدى في الناصريات أو نقول مقتضى الدليل المنع فيهما ترك العمل به في الماء اجماعا لضرورة الحاجة انتهى ونحوه ما في المنتهى والسرائر مع الاقتصار في الأول على الوجه الثاني في دفع النقض وفى الثاني على الوجه الأول ومرجع الوجه الثاني إلى تنجس الماء عند الغسل وقيام الدليل على التطهر ومعلوم ان تنجسه مختص بالجزء المنصوب على النجس فعلم من ذلك أن الزام القائل بجواز الإزالة بتنجس هذا المقدار دون باقي المضاف الكائن في الاناء ومرجع الوجه الأول إلى أن ورود الماء يوجب عدم انفعاله ولو كان قليلا والمراد عدم انفعال المقدار المصبوب لا الباقي في الاناء وبالجملة فكلامهم ظاهر في أن احتجاجهم على القائل بجواز الإزالة بالمضاف بنجاسة نفس المقدار المصبوب من المضاف بالملاقات وتقدم انه لو كان النجاسة سارية إلى العالي وما في الاناء كان الا نسب بل اللازم ذكر ذلك ولم يبق موقع للنقض بالماء المطلق فان عدم السراية فيه إلى العالي وما في الاناء من أبده البديهيات ولم يحتج إلى التقصي بالاجماع وضرورة الحاجة كما لا يخفى وعلى كل حال فالقول بعدم السراية متعين لان دليل النجاسة كما تقدم إما القاعدة المستفادة من تتبع الاخبار واما المستفادة من أدلة الكرية الدالة على أنه مانع ولولاه لكان المقتضى للانفعال موجودا في النجاسات لان دليل السراية باطل كما تقدم في الماء المطلق إما القاعدة فالاتصاف انه لم يستفد منها الا السراية إلى المساوى أو السافل خصوصا بعد مشاهدة السيرة العظيمة المستقرة على ذلك مع اطلاعهم على نجاسة المضاف بالملاقات واما ما ذكر من أدلة مانعية الكر عن الانفعال وقيام المقتضى في نفس النجاسات بعد تسليم عدم ظهور اختصاص ذلك بالماء ليس فيه تعرض لكيفية التنجيس لان قول الشارع الشئ الفلاني منجس أو مطهر لا دلالة فه على كيفية التطهير ولا التنجيس الا ببيان تفصيلي من الشارع أو اجمالي يكشف عنه ما هو المركوز في أذهان المتشرعة والبيان التفصيلي مفقود والاجمالي المكشوف عنه في الأذهان هي السراية مع تساوى السطوح أو علو النجاسة دون غيرهما بل عرفت من روض الجنان انه لا يعقل سراية النجاسة إلى العالي والظاهر أن

صفحة ٤٦