كتاب الطهارة (ط.ق)

الشيخ الأنصاري ت. 1281 هجري
17

الكل من النجس بالبعض من الطاهر بحيث لو فرض للمتنجس أقل لون زال بالماء الطاهر على ما ذكرناه في الاستدلال من دلالة النص والاجماع على طهارة المتغير من الجاري والكثير إذا زال تغيره بممازجة بعضه الأخر والتغير قد يكون خفيفا بل يكون دائما كذلك في اخر ان منه وجوده المشرف على الزوال ومن المعلوم ان هذا التغير يحصل بامتزاج شئ قليل من الماء المعتصم فيكفي لتطهر الاكرار المتنجسة ما يكون نسبة إليها كنسبة الجزء المعتصم الطاهر الممازج إلى المتغير في المثال المذكور ولو فرض عدم العلم بهذا فلا مانع عن التزام بقاء النجاسة ومما ذكرنا يظهر ان طهارة الكوز من الماء النجس بالغمس أو طهارة ما في الحياض باستيلاء الماء من المادة عليها وحصول التطهر بماء الغيث لا يرد نقضا على القائل بالامتزاج واما خروج الماء المعتصم عن عنوانه أعني الكرية والجريان قبل الامتزاج التام فغير مسلم للاجماع على عدم انفعاله ما لم ينقطع عن الكر بالمرة وقد حكموا بطهارة الحبوب النجسة إذا انتقعت في الكر مع أن اجزاء الكر المتخللة بين اجزاء الحبوب ليست بأشد اتصالا بالكر من الأجزاء المتخللة من الكر في الماء المتنجس مع أن انفعال المطهر بالتطهير لا يمنع عن التطهير به كما في الماء القليل الذي يقع على موضع في الثوب النجس ينتقل منه إلى موضع اخر منه فان المعتبر الطهارة قبل التطهير مع أن الماء سريع النفوذ في الماء فيطهر الجزء النجس الملاقى له قبل التخلل بين اجزاء الكل وانما اختلاف الماء في السطح الواحد فلم نجد دليلا شرعيا على امتناعه والثابت من النص والاجماع امتناع اختلاف المائين مع شيوع أحدهما في الأخر وقد ذكر في شرح الروضة وجوها اخر لرد القول بالامتزاج لا يخفى ضعفها على ما ذكرناه في الجواب عن الوجه المذكور بقى هنا أمور الأول ان من لم يقل بالامتزاج بين معتبر لصدق الاتحاد العرفي على مجموع الطاهر والنجس كما هو ظاهر الروضة وبين مكتف بمجرد الملاقاة كظاهر اللمعة ولازمه طهارة الكوز من الماء النجس يصب منه شئ في الكر فضلا عن غمسه فيه و ليس بأبعد من التزام طهارة النجس الكثير بقطرة أو قطرات من المطر وقد يذكر هنا تفصيل بين الجاري وماء الحمام وبين غيرهما فيشترط الامتزاج في الأولين ونسب إلى ظاهر المنتهى والنهاية والتحرير والموجز وشرحه حيث حكموا بالطهارة بتواصل الغديرين وعبروا في الجاري بأنه يطهر بالتدافع والتكاثر واعتبروا في طهارة ماء الحمام استيلاء الماء من المادة عليه إما مطلقا كما في كتب العلامة أو مع عدم تساوى السطح الطاهر والنجس كما في الأخيرين وفيه ان الظاهر أنه لا قائل بكون حكم ماء الحمام أغلظ من غيره واما الجاري فليس له عند العلامة عنوان مستقل بل الاعتبار عنده بالكرية وقد صرح في المنتهى بان تطهر الجاري باكثار الماء الواقع حتى يزول التغير ويطهر الكثير المتغير بالقاء كر عليه دفعة من المطلق بحيث يزول تغيره واستدل في المسئلتين بان الطارئ لا يقبل النجاسة والتغير مستهلك واما الموجز وشرحه فصريحهما عدم الفرق بين ماء الحمام وغيره من الحياض الصغار وقد يعكس بعض المعاصرين هذا التفصيل فيختص الامتزاج بغير الجاري وماء الحمام ولم يعتبره فيه لأجل صحيحة بن بزيع المتقدمة الواردة في ماء البئر ومرسلة الكاهلي كل ماء تراه ماء المطر وقوله (ع) ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا وهو ضعيف أيضا لما عرفت من عدم تمامية هذه الوجوه الثاني قد يقال إن اشتراط الامتزاج عند القائلين به مختص بما إذا لم يلق الكر دفعة والا فالقاء الكر دفعة مغن عن الامتزاج لدعوى الاجماع أو الاتفاق كما في المنتهى وعن المختلف على حصول التطهر بالقاء الكر دفعة ويؤيدها فعوى الاجماع على كفاية كر لا كرار متعددة بناء على أن الغالب عدم تحقق الامتزاج وفيه ان هذا تخرص إذ لا دليل على ذلك بعد ظهور كلامهم في أن الامتزاج شرط اخر غير الدافعة ومقتضى استدلالهم عليه باستهلاك النجس كما عرفت ظاهر في عدم الاستغناء عنه بالدفعة وما ذكر من الاجماعات على شرط الطهارة بالقاء الكر دفعة وارد إما في القليل النجس واما في الكثير المغير ولا ريب انهم اعتبروا في الثاني زوال التغير بالالقاء ولا يكون ذلك الا بالامتزاج واما الأول فلا ينفك عن الامتزاج أيضا ويؤيده ما تقدم من تردد العلامة قدس سره في التذكرة في الكر الواقع في أحد جوانب الكثير النجس مع عدم شياعه فيه مع أن الظاهر أن اعتبار الدفعة إما لأجل عدم اختلاف سطوح الكر الملقى كما يشهد به بعض من تقدم كلامه وظهر من كثير من كلمات القائلين بها واما لأجل حصول الامتزاج بها واما لأجل النص وفتوى الأصحاب وعدم اغنائها عن الامتزاج ظاهر على الأولين واما الأخير فقد عرفت انها دعوى غيره مسموعة نعم يمكن بل يجب ان يقال بالعكس وهو ان الامتزاج بالماء المعتصم مغن عن الدفعة على القول باشتراطها لا لأجل تحصيل الامتزاج الثالث انك قد عرفت ان المعتبر امتزاج جميع النجس مع المسمى الكثير الطاهر ولو أقل قليل منه لان دليل الطهارة جاز فيه ويظهر من كاشف اللثام في مسألة تطهير الجاري انه لا بد على القول بالامتزاج من امتزاج النجس بتمام الكر وفيه نظر لان مناط الطهارة امتزاج النجس بماء معتصم سواء كان كرا أم جزء كر واعلم أن الماء القليل لا يطهر باتمامه كرا على الأشهر بين المتأخرين بل المشهور لا أصالة بقاء النجاسة السالمة عما يرد عليه عدا ما يتخيل من أن الأصل المذكور معارض باستصحاب طهارة المتمم بالكسر المستلزمة لطهارة النجس للاجماع على اتحاد حكم المائين فيرجح عليه لاعتضاده بقاعدة الطهارة أو يرجع إليها بعد تساقطهما وما اشتهر حتى ادعى الاجماع عليه من قوله (ع) إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا وما ذكره علم الهدى (قده) من الاجماع على أن الماء المعلوم وقوع النجاسة فيه المشكوك في سبقها على الكرية ولحوقها محكوم بالطهارة فلو لا طهارة النجس باتمامه كرا لم يكن لذلك وجه وفى الكل نظر إما استصحاب طهارة للتيمم ففيه أولا انه ان أريد الاجماع على عدم تبعض الماء المتصل من حيث الطهارة و

صفحة ١٧