التفسير والبيان لأحكام القرآن
الناشر
مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٨ هـ
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
وقوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ هي مِن ألفاظ الاستغفارِ لبني إسرائيلَ؛ أُمِرُوا بها عندَ الدخولِ؛ يُقالُ: حَطَّ اللهُ عنك خطايَاك، فهو يحُطُّها حِطَّةً؛ روى ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ؛ قال سعيد بنُ جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: حِطَّةٌ: مغفرةٌ. وبه قال: استغفِروا اللهَ (١).
وهو قولُ أكثرِ المفسِّرينَ مِن السلفِ؛ ويؤيِّدُ هذا أنَّه قال بعدَ ذلك: ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾؛ أي: استغفِروا ليُغفَرَ لكم، ولكنَّهم خالَفُوا أمرَ اللهِ، فزحَفُوا على أَسْتَاهِهِمْ؛ أي: مَقَاعِدِهم؛ كما في "الصحيحينِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ ﵁؛ يقولُ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾، فَبَدَّلُوا؛ فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ) (٢).
وهذا التبديلُ مِن تبديلِ اللفظِ وتبديل المعنى وتبديلِ العملِ؛ وهو شرُّ أنواعِ التحريفِ لأَمْرِ اللهِ، وهو المقصودُ في قولِه بعدَ ذلك: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: ٥٩].
أفضلُ أنواعِ التوبةِ وأقواها:
وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ أقوَى أنواعِ التوبةِ: تلك التي يجتمِعُ فيها عملُ القلبِ وعملُ الجوارحِ وقولُ اللسانِ؛ ولذا أمَرَهم اللهُ بالسجودِ، وأمَرَهُمْ بقولِ: "حِطَّةٌ"، ولا بدَّ مِن عملِ القلبِ؛ لأنَّه أصلُ الامتثالِ بهذه المأموراتِ، وأنَّ هذا هو أعظمُ الإحسانِ؛ ولذا قال: ﴿وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾، مع أنَّ الإتيانَ بالأعمالِ الصالحةِ في ذاتِه مكفِّرٌ للسيِّئاتِ؛ لقولِه: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤].
(١) "تفسير الطبري" (١/ ٧١٦، ٧١٧)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/ ١١٨). (٢) أخرجه البخاري (٣٤٠٣) (٤/ ١٥٦)، ومسلم (٣٠١٥) (٤/ ٢٣١٢).
1 / 71