191

التفسير والبيان لأحكام القرآن

الناشر

مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٨ هـ

مكان النشر

الرياض - المملكة العربية السعودية

تصانيف

وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ مَن ترَكَها، فقد ترَكَ التقوى، وربَّما وقَعَ فىِ المعصيةِ، وهي ضدُّ التقوى. واستدَلَّ بما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ، مرفوعًا: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مالٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) (١). ويُشكِلُ على الاستدلالِ بهذا الحديثِ: أنَّ ابنَ عُمَرَ - راويَ الخبرِ - لم يُوصِ بشيءٍ مِن مالِه، وهو أعلَمُ الناسِ بمَرْوِيِّهِ، وأعرفُ الناسِ بمعنى قولِه ﷺ في الحقِّ: (مَا حَقُّ امْرِئٍ)، وراوي الحديثِ المرفوعِ وراوي عدَمِ وصيَّةِ ابنِ عمرَ: واحدٌ، وهو نافعٌ مَوْلاهُ. فقد روى ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ؛ مِن حديثِ أيوبَ، عن نافعٍ؛ أنَّ ابنَ عمرَ لم يُوصِ، وقال: "أمَّا مالي، فاللهُ أعلَمُ ما كنتُ أصنَعُ فيه في الحياةِ، وأمَّا رِبَاعِي، فما أُحِبُّ أنْ يَشْرَكَ ولدي فيها أحدٌ" (٢). ويظهرُ أنَّ المرادَ بقولِه ﵊: (مَا حَقُّ امْرِئٍ): ما حَزْمُهُ وحياطتُهُ؛ وذلك لأنَّها إبراءٌ للذِّمَّةِ، ويؤكِّدُ هذا أنَّ الحديثَ جاء مقيَّدًا بمَنْ يخافُ على ذِمَّتِهِ التَّبِعَةَ وفواتَ حقِّ غيرِه، وجاء في بعضِ ألفاظِ الحديثِ في "الصحيحِ": (وَلَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ) (٣)، وفي لفظٍ آخَرَ: (يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ) (٤). فقيَّدَ الوصيَّةَ بمُوجِبِها؛ وهو إرادةُ إبراءِ الذِّمَّةِ، أو وجودُ ما يُوجِبُ الوصيَّةَ، وتعليقُ الأمرِ بإرادةِ الفاعلِ ومشيئتِهِ: ممَّا يَصرِفُ الأمرَ مِن

(١) أخرجه البخاري (٢٧٣٨) (٤/ ٢)، ومسلم (١٦٢٧) (٣/ ١٢٤٩). (٢) "تفسير الطبري" (٣/ ١٣٣). (٣) أخرجه أحمد (٥٥١٣) (٢/ ٨٠)، رمسلم (١٦٢٧) (٣/ ١٢٤٩)، والترمذي (٩٧٤) (٣/ ٢٩٥). (٤) أخرجه أحمد (٥١١٨) (٢/ ٥٠)

1 / 193